في تفاصيل الحياة اليومية وجدتُ دعوتي

كاترين هي أوّل دعوة لبنانية في "عمل الله" وقد طلبت الإنضمام إليها كـ"نوميرير أوكسيليير" (numéraire auxiliare) عام 1999.

كنتُ قد أنهيتُ المدرسة حديثًا عندما بدأتُ بالبحث عن مسكنٍ للطلاب في العاصمة لكي أكمل دراستي الجامعية فيها. فقد عشتُ سنوات طفولتي ومراهقتي في بلدتي حصرون التي تُعرف بـ"وردة الجبل". ولم تكن فكرة النزوح إلى المدينة سهلة، بشكلٍ خاصٍّ للفتيات في خلال سنوات ما بعد الحرب. حدّثني وقتها خالي، وهو "سورنوميرير" (surnuméraire)، عن مركزٍ لـ"عمل الله" في الأشرفية يستقبل الفتيات اللواتي يرغبن بالدراسة والعمل.

بدأتُ دراستي في بيروت عام 1998 وبدأتُ معها المشاركة في التنشئة الروحية التي تقدّمها حبرية "عمل الله". لم يكن محتوى التنشئة المسيحية جديدًا بالنسبة لي، فلطالما كنتُ شخصًا ملتزمًا في الرعية، قريبةً من الله ومتعوّدةً على الصلاة. فمن بين مجموعة رفاقي، كثيرون اختاروا درب الرهبنة أو الكهنوت. لم أشعر أبدًا بأنّ دعوتي هي الحياة الرهبانية، بالرغم من رغبتي بأن أكون قريبة من الله دائمًا. وأظنّ أنّ هذا ما جذبني إلى روحانية عمل الله: ففي الحياة اليومية، يمكن أن نعيش القداسة. فالله لا يريد أن ينزعنا من مكاننا ومن محيطنا ومن عملنا لكي نكون قريبين منه. فهو معنا في كلّ اهتماماتنا العادية، وهذه الأخيرة وسيلة لقداستنا. فبكلمات القدّيس خوسيماريا، مؤسّس "عمل الله": "حيث هم إخوتكم البشر، يا أولادي، حيث هي تطلّعاتكم وعملكم وحبّكم، هناك يكون مكان لقائكم اليومي مع المسيح". (حديث، 113)

أعيش حاليًا في مركز التلال وأعمل  في منطقة الخدمات التي تهتمّ بتأمين جوّ عائلي للمشاركين باللقاءات فيه. فللتفاصيلِ الصغيرةِ أهميّةٌ كبيرةٌ وتأثيرٌ عميقٌ على الأشخاص لكيما يشعروا بالراحة والسكينة في خلال الرياضات الروحية والأنشطة التي ينظّمها المركز. وفي الإهتمام بالتفاصيل اليومية والعادية تكمن القداسة؛ فالحبّ هو الدافع الوحيد لصونها.

وكما كان يكرّر القدّيس خوسيماريا دائمًا لأولاده: "مَن لا يجد السعادة على الأرض لن يجدها في السماء"، هكذا أجد دعوتي في "عمل الله" وسيلةً لكي أذكّر كلّ شخصٍ من عائلتي وأصدقائي ومنطقتي ومجتمعي بأنّ السعادة هي مرادفًا للقداسة، وبأنّ القداسة يمكن عيشها على هذه الأرض من دون الإنفصال عن العالم أو الإبتعاد عنه.

لذلك، أعمل على نشر روحانية "عمل الله" في محيطي وأن أعرّف الناس عليها من خلال وسائل التنشئة المسيحية والإرشاد الروحي والرياضات الروحية وغيرها. وإنّي ألمس لمسًا فعليًّا كيف يندفع كلّ مَن فهم هذه الروحانية اندفاعًا قويًّا إلى تقديس حياتهم في العمل والعائلة، وإلى العيش بفرح وبرجاء مسيحي حقيقي.