البطريرك الراعي يترأس قدّاس اليوبيل الفضي

ترأس الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق، القداس الإلهي بمناسبة مرور 25 سنة على بدء العمل الرسولي لـ"عمل الله" في لبنان.

احتفل البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بالقدّاس الإلهي بمناسبة مرور 25 سنةً على بدء العمل الرسولي لـ"عمل الله" في لبنان، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة، وفي حضور عدد كبير من المؤمنين.

الراعي في خلال القدّاس الإلهي

بعد الانجيل المقدّس، ألقى الراعي عظةً بعنوان "اذهبوا أنتم أيضًا إلى كرمي"، قال فيها: "في ضوء هذا المثل الإنجيلي يسعدنا أن نحتفل مع حبرية "عمل الله" باليوبيل الفضي لوجودها في لبنان. فنشكر الله معها على ما أغدق، طيلة الـ25 سنة، من نعمٍ بواسطة خدمتها المتنوعة في مراكزها الخمسة في بيروت وصربا ومعاد.  فَكَمْ من نفوس استرشدت بكلمة الله والتنشئة الروحية واللاهوتية، وأخرى عادت إلى الله بالتوبة، وأخرى تعزّت في مضايقها. فيطيبُ لي أن أحيّي جميع أعضائها، الآباء والعلمانيين المؤمنين بالمسيح، وعلى رأسهم الأب دومينيك الحلو، النائب في لبنان لحضرة المونسنيور فرناندو أوكاريز برانيا، الأب الحبري. إنّ رسالة حبرية "عمل الله"، كما حدّدها مؤسّسها القديس خوسيماريا إسكريفا، هي تقديس الذات في العمل اليومي، والحياة العائلية، والعلاقات الإجتماعية. ولها هدفٌ واحدٌ هو السهر كي يكون في العالم رجالٌ ونساءٌ، من كلّ عرقٍ ولونٍ وحالةٍ اجتماعيةٍ، يجتهدون في خدمة الله والبشرية في عملهم اليومي، ومن خلاله وسط واقعات العالم ومصالحه".

الراعي يلقي العظة

وتابع: "في المثل الإنجيلي، خرج ربّ البيت ليستأجر فعلةً لكرمه، خمسَ مرّاتٍ: باكرًا، وعمد عند التاسعة، وعند الظهيرة، ثمّ عند الثالثة، وأخيرًا عند الخامسة. هذه الساعات تعني تغطية كلّ أوقات العمل في النهار. وتعني أيضًا مختلف الأعمار: الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة، وما لكلّ عمر وحالة نوعٌ من العمل المادي والروحي والمعنوي والأخلاقي (الإرشاد الرسولي للقديس البابا يوحنا بولس الثاني: العلمانيون المؤمنون بالمسيح، 45).
كلّ هذا يعني أنّ شريعة العمل واجبةٌ على الجميع، في كلّ ساعات النهار. الكنيسة مقتنعةٌ من أنّ العمل يشكّل بُعدًا أساسيًّا لوجود الإنسان على الأرض. [...] تستمدّ الكنيسة اقتناعها من كلمة الله الموحاة، وهو في الوقت عينه اقتناع العقل وبالتالي اقتناع الإيمان. والسبب هو أنّ الكنيسة تؤمن بالإنسان، وتفكّر بالإنسان وتتوجّه إلى الإنسان. أجل، تجد الكنيسة في الصفحات الأولى من سفر التكوين أنّ الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، تسلّمَ من الله السلطة على الأرض لكي يحرثَها ويخضعَها ويعيشَ من ثمارها وفقًا لرسومه ووصياه (راجع تك 1/27-28؛ 3/19). ربّنا يسوع المسيح خضع هو أيضًا لشريعة العمل في حقل النجارة مع أبيه يوسف، قبل أن يبدأ رسالته العلنية بعمر ثلاثين سنة. فعندما بدأها بكلام الحكمة وإجراء آيات الشفاء كان معروفًا أنّه إبن النجار، وأمّه تدعى مريم (متى 13: 55). مارس النجارة في بحر الأسبوع، وفي كلّ سبت كان يتردّد إلى المجمع، وكلّ سنة إلى أورشليم في عيد الفصح. ومعروفٌ عن بولس الرسول أنّه كان يكسب عيشه من صناعة الخيم (أعمال 18: 1-3). وهو الذي حذّر أهل تسالونيكي من الكسل، حتّى قال: مَن لا يريد أن يعمل، فليس له أن يأكل" (2 تس 3: 10)".

من الحضور

وأضاف: "للكنيسة تعليمٌ واسعٌ حول العمل، بدءًا من البابا لاون الثالث عشر في رسالته العامة الشهيرة "الشؤون الحديثة" (15 أيار 1891)، مرورًا بالرسالة العامّة للبابا بيوس الحادي عشر في السنة الأربعين لرسالة "الشؤون الحديثة" (1931)، وبالرسالة الصوتية للمكرّم البابا بيّوس الثاني عشر في الذكرى الخمسين لرسالة "الشؤون الحديثة" (1941)، فإلى الرسالة العامّة للقدّيس البابا بولس السادس في الذكرى الثمانين لـ"الشؤون الحديثة" (1971)، وصولًا إلى الرسالة العامّة للقدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني "بممارسة العمل" (1981)، لمناسبة مرور مئة سنة على صدور "الشؤون الحديثة". كلّ هذه الرسائل العامّة تعيد إلى عالم اليوم قيمة العمل وقدسيته، أيًّا يكن نوعه، يدويًّا، فكريًّا، روحيًّا، ثقافيًّا، تعليميًّا، تربويًّا، سياسيًّا، دبلوماسيًّا، إداريًّا، قضائيًّا، عسكريًّا، إقتصاديًّا، تجاريًّا، ماليًّا، سياحيًّا، عائليًّا، إجتماعيًّا وإنسانيًّا. نحن مدعوون، بحسب روحانية القديس خوسيماريا، مؤسّس حبرية "عمل الله"، لنقدّس عملنا ونتقدّس به، بواسطة كلام الله ووصاياه ورسومه، وقوة نعمته، وأنوار روحه القدوس. ما يعني أن يكون عملنا صالحًا، وعادلًا، وشفّافًا، ومخلصًا، ومحبًّا، وبنّاءً، وساعيًا إلى تأمين الخير العام، ونشيدًا لتمجيد الله، ولبناء مجتمع أكثر إنسانية وحضارة. هذه الروحانية التي تعمل على نشرها وإحيائها حبرية "عمل الله"، تسهر من خلالها على تعزيز الإدراك العميق للدعوة الشاملة للقداسة، بين الرجال والنساء، في مختلف أعمالهم وحالاتهم. هذه الدعوة الشاملة خصّص لها آباء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني فصلًا في الدستور العقائدي في الكنيسة".

المؤمنون المشاركون في القدّاس الإلهي

وختم الراعي: "كلّ عملٍ، بمختلف أنواعه، شاقٌّ. لكنّه دائمًا لخير الإنسان، إذ يجعله ناضجًا في إنسانيته. ولذا سمّى القديس توما الأكويني العمل كخير للإنسان خيرًا شاقًّا. فهو خيرٌ مفيدٌ، ويُنعم به، ولائقٌ، وبهذه الصفة يتناسب وكرامة الإنسان. فهو ليس فقط يحوّل الطبيعة، ويجعلها ملائمة لضروراته، بل أيضًا يحقّق ذاته كإنسان، وبمعنى ما يصبح أكثر إنسانًا، هذا هو البعد الأخلاقي لكلّ عملٍ (راجع "ممارسة العمل"، 9). نصلّي كي يبارك الله حبرية "عمل الله"  في يوبيلها الفضي ويبارك أعضاءها ورسالتها لمجده تعالى وخير الكنيسة وتقديس النفوس. آمين".

الصلاة الربّية

وبعد المناولة، ألقى النائب الإقليمي لحبر "عمل الله" في لبنان، الأب دومينيك الحلو، كلمة شكرٍ توجّه بها إلى صاحب النيافة والغبطة، وأصحاب السيادة، والكهنة والمؤمنين، قائلًا: "أودُّ أَن أتقدّمَ بالشكر من كلّ قلبي إِلى اللهِ الذي بارك مسيرتنا الرسولية في لبنان والـمتوَّجة اليوم بالإِحتفال بقدّاس الشكر هذا في مناسبة مرور خمسٍ وعشرين سنةٍ لحضور جماعة "عمل الله" في لبنان. ولا يسعُني في هذه الـمناسبة الـمباركة إِلاّ أن أتقدّمَ بأصدق مشاعر الشكر مقرونةً بمحبّتي البنويّة، من صاحب النيافة والغبطة على ترئّسه لهذا الإِحتفال ومشاركته وتشجيعه الدّائم، وقد كنتُم لنا يا صاحب النيافة، دومًا ومنذ البدايات، سندًا متينًا وراعيًا مؤيّدًا لـ"عمل الله" ولفترة طويلة جدَّا: أوّلًا في روما ، ثمّ أثناء خدمتكم الأسقفيّة لأبرشيّة جبَيل، حتّى اليوم وأَنتم في خدمة رئاسة الكنيسة الـمارونيّة، فنحن جميعًا نشكر لكم سهركم الدؤوب وإِحاطتكم الأبويّة."

كلمة الشكر يلقيها النائب الإقليمي، الأب دومينيك الحلو

وذكّر الأب الحلو بدور حبرية "عمل الله" في الكنيسة، قائلًا: "كما تعلمون، إنّ السعي الأساسيّ والوحيد لـ"عمل الله" هو "خدمة الكنيسة كما تريد هي". هذه هي كلماتٌ خاصّةٌ بالقدّيس خوسّيماريّا، هذا القدّيس الّذي تجلّونه جميعًا. وما كانت هذه السنوات الخمسَ والعشرين بالنّسبة إِلينا، نحن الـمنتمينَ إِلى حبريّة "عمل الله"، سوى سنواتٍ مملوءةً خدمةً للكنيسة وسنواتٍ من النّعمة والبركات. لقد باركنا الربُّ بعددٍ وافرٍ من الإِرتداداتِ والدَعوات. ولا يسعُنا دومًا إِلّا أن نشكرَه على مواهبه العديدة وفوائده التي لا تحصى، ونعدُ بمواصلة العمل في خدمة الكنيسة والنّفوس تمجيدًا لاسم الرَب. وإِنّي أسأل الله، بشفاعة القدّيسة مريم، والدةِ الإِله، أن يَمَنَّ دومًا على كنيستنا بدعواتٍ مقدَّسة تشهدُ للمحبّة وتبني كنيسة المسيح."

الراعي مهنّئًا الحلو

تلى القدّاس نخب المناسبة ولقاء بين البطريرك والكهنة ومؤمني الحبرية والأهل والأصدقاء.