خمسة علاجات للحزن

القديسون، أحبّاء يسوع المسيح، عرفوا هم أيضًا الحزن. دعونا نكتشف كيف كانوا يتعافون منه ويستعيدون سريعًا الفرح، هذه الحالة التي يجب أن يتحلّى بها كلّ مسيحي.

نحن جميعنا نمرّ بأيامٍ نشعر فيها بالحزن، بأيّامٍ نفشل فيها بالتعامل مع مشاكل حياتنا الداخلية، فتتلوّث أذهاننا ويصبح تعاملنا مع الآخرين وعلاقاتنا بهم أصعب فأصعب. إذًا كيف نستطيع التغلّب على مزاجنا العكِر واستعادة البسمة على وجوهنا مرّة أخرى؟

يقترح القديس توما الأكويني خمسة سبلٍ فعالة لمعالجة مرحلة الحزن التي تصيبنا:

العلاج الأوّل هو أن نجد شيئًا يشعرنا بالراحة.

العلاج الثاني يكمن في التعبير عن حزننا بالبكاء.

العلاج الثالث يقضي بمشاركة أصدقائنا همومنا.

العلاج الرابع لمواجهة الحزن يكون بتأمّل الحقيقة.

العلاج الخامس الذي يقترحه علينا القديس توما الأكويني هو غير متوقّع نظرًا لكونه معلّمًا من القرون الوسطى: نستطيع القول بأنّ هذا اللاهوتي الكبير اكتشف منذ سبعة قرونٍ أنّ تناول الشوكولا يساعد على التخفيف من الإكتئاب. قد يبدو هذا الاقتراح دنيويًّا، ولكن إن كان يومنا مليءٌ بالمشاكل، يستحقّ أن نمنحهُ عزاءً صغيرًا.

ومن الصّعب برهنة عكس ذلك؛ فحتّى في الإنجيل كان يسوع يبتهج بالمشاركة في الولائم والأعياد، وعرف كيف يستفيد من لحظات الفرح هذه قبل وبعد قيامتهِ. أفلا يوضح المزمور التالي: "قليلٌ من الخمر يبهج قلب الإنسان" (ولو أنّ الإنجيل يدين بوضوحٍ كلّ افراطٍ في الاستهلاك في هذا المجال).

عندما لا نعبّر عن الألم الذي يخالجنا، عندها نكون في خطر أن يسيطر علينا الحزن ويمنعنا من القيام بأبسط الأمور العادية أيّ واجباتنا اليوميّة. فالبكاء هو لغةٌ، هو طريقة تعبيرٍ وحلٌّ للعقدة التي تكاد تخنقنا.

ويسوع أيضًا بكى و يؤكّد لنا البابا فرنسيس:" ثمّة وقائع في الحياة لا نحسّ بها إلاّ من خلال عيون مغرورقة بالدموع". وهذا ما يدعونا جميعًا إلى التفكير به:"هل أنا ممّن يعبّر بالبكاء؟".

في الكتاب المشهور "الخطّاب"، يخبر صديق "رنزو" في وحدتِهِ، وبعدما قضى مرض الطّاعون على سكان المدينة حيث يسكن، المعاناة التي مرّت بها عائلتُهُ: " لقد مررنا بأوقاتٍ عصيبةٍ لم أتخيّل نفسي يومًا سأمرّ بها، أوقاتٌ تكفي لتسلب منكَ فرح العيش. و لكن عندما كنت أروي معاناتي لأصدقائي كنت أجد التعزية".

يجب أن تختبر هذه التعزية لتستطيع أن تفهمها. عندما نشعر بالحزن غالبًا ما نجد أنّ كلّ شيءٍ من حولنا أسود مظلمٌ. إنّه لأمرٌ ذو فعاليّة كبرى أن تفتح قلبك لصديق. إذ يكفي أن تتلقّى رسالةً أو اتّصالاً حتى يُفتح أمامك فسحة أمل جديدة.

"روعة الحقيقة" التي يتحدّث عنها القديس أوغسطينس. تأمّل بروعة الطّبيعة أو بعمل فنّي، إستمع الى الموسيقى، أمضي وقتًا في بلدةٍ جميلةٍ؛ كلّ هذه الأشياء هي علاجٌ لمداواة الحزن.

كتب ناقدٌ أدبيٌّ، بعد وفاة صديقٍ عزيزٍ عليه، هذه المقدمة في كتابه الذي يتناول فيه مغامرات تولكين:"أن تتحدّث عن أشياء جميلةٍ مع شخصٍ تراه مهتمًّا إنّها لتعزيةٌ كبيرةٌ بالنسبة لي".

هذا اللاهوتي الكبير يعتبر أنّ النوم والاستحمام يشكلان دواءً فعّالاً لمواجهة الحزن. وفعاليّة هذه النصيحة لا يمكن تجاهلها. فهي فعلاً جزءٌ من الروح المسيحية التي تعتبر أنّه إذا أردت أن تتخطّى محنة روحيّة عليك أن تتعلّم كيف تريح جسدكَ. لأنّه منذ اللحظة التي تجسّد فيها الله وصار إنسانًا واتخذ جسدًا لهُ، لم يعد العالم المادي يشكّل حاجزًا أو يفصل بين الروح والجسد.

فلنتخلّص من مفهومنا الخاطئ والشائع الذي يعتبر أنّ النظرة المسيحيّة للإنسان تشدّد التعارض بين الروح والجسد والذي يرى بأنّ الجسد هو حملٌ ثقيلٌ وعبءٌ على الحياة الرّوحية. ولكن في الواقع، تعتبر المسيحيّة أنّ الإنسان (جسدٌ وروحٌ) هو بأكمله "روحانيّ" ما إن يسعى إلى الاتحاد بالله. ويتكلّم القديس بولس على جسدٍ حيوانيّ وجسدٍ روحانيّ؛ فيقول إنّنا لا نموت بل نتحوّل، إذ لا بدّ للجسد الفاني أن يُمسيَ جسدًا غير فانٍ، وللجسد المائت أن يصير جسدًا غير مائتٍ.

يقدّم لنا إذًا القديس توما الأكويني خمسة علاجات لتخطّي مرحلة الحزن التي تصيبنا :

- أن نجد شيئًا يشعرنا بالراحة
- أن نعبّر عن حزننا بالبكاء
- أن نتشارك مع أصدقائنا همومنا
- أن نتأمّل الحقيقة
- أن ننام ونتمتّع بحمّامٍ دافئٍ.

"لا تتجاهلوا أبدًا نصيحة طبيب الجسد لمعالجة مرض روحيّ فيكم"، يقول القديس توماس مور مؤكّدًا الفكرة التي تحدّث عنها القديس توما الأكويني في العصور الوسطى: "إنّ الجسد والنفس يتّحدان ببعضهما بشكلٍ وثيقٍ حتّى يشكّلان معًا شخصًا واحدًا. فإذا ما أصيب أحدهما بخللٍ يتأثّر الآخر، لذلك أنصحكم بأن تعالجوا الأمراض الجسديّة عند الطبيب وأن تجدوا مرشدًا روحيًّا يساعدكم في صحتكم الروحيّة. كما أنصحكم بأن يكون لكم كما لأجسادكم طبيب، طبيب لنفوسكم".

"ستحزنون ولكن حزنكم سيتحوّل فرحًا"؛ بفضل هذه العلاجات الخمس يتحقّق وعد يسوع الإلهي والإنساني.

محاضرة للأب كارلوس دي مارشي، نائب حبر "أوبس داي" في إيطاليا، في خلال مجمع كنسي في مدينة فلورانسيا في إيطاليا.