مغامرة روحية لا تنتهي

يخبرون أنّ القديس خوسيماريا، في عام 1967، كان قد بدأ التحضيرات من أجل بدء العمل الرسولي لـ"عمل الله" في لبنان، وقد طلب من ميشال أنجل تابت، كاهن فنزولاني من أصلٍ لبناني، أن يحضّر ما يلزم للسفر. ولكنّ الحرب الأهلية التي اندلعت آنذاك في لبنان، أرجأت هذا المشروع إلى سنوات لاحقة.

إنتهت الحرب الأهلية عام 1990. وفي خلال هذه الفترة، كانت حبرية "عمل الله" قد انتشرت في بلدان كثيرة، فطالب بها أساقفة لبنانيون عدّة، وزار عددٌ منهم، مثل المطران الراعي والمطران الهاشم والمطران تابت، الحبر آنذاك، المطران خافيير إتشيفاريا، ليصرّوا على أن تبدأ عملها الرسولي في لبنان الذي يُعدُّ باب عبورٍ إلى العالم العربي والشرق الأوسط. وتلبية لدعوة أساقفة لبنان وتحقيقًا لأمنية القديس خوسيماريا، أرسل المطران إتشيفاريا مجموعة من الشبان في 3 تشرين الثاني 1996 لكيما يبدؤوا بالمغامرة الجديدة في هذا البلد.

مجموعة من الشباب الذين يشاركون في نشاطات "عمل الله" في لبنان

وكان من بين الواصلين ثلاث إسبانيين وإيطالي (الأب الراحل فيتوريو العزيز) ولبناني يعيش في فرنسا. كانت بانتظارهم مجموعة من المعاونين الذين تعرّفوا إلى "عمل الله" في فرنسا وكندا وقد ساعدوهم على الإستقرار في خلال الأشهر الأولى. وعلى مثال العائلات التي تستذكر الأحداث متى اجتمع أفرادها، كذلك في عائلة "عمل الله" سنسرد عليكم بعض الأحداث التي عشناها في خلال هذه السنوات الخمس والعشرين الماضية.

فكم من مرة ضحكنا عند سماع الأب فيتوريو يروي يوم وصوله إلى بيروت وهو يحاول أن يقنع أمن المطار بتسهيل مرور حقائبه بصرامة وجدّية، وقد كانت هذه الحقائب تكبر وتكثر في كلّ مرّة، فيقول للجمرك بجدية: "إنّها أغراضي الشخصية... وأغراض الكنيسة أيضًا". هذا التفسير، في بلد اعتاد على احترام رجال الدين وإجلالهم، سهّل دخول كلّ ما يلزم لتجهيز أوّل كنيسة في مركز "عمل الله" في لبنان، حتّى من دون أن يضطرّ الأب فيتوريو أن يفصح أن محتوى الحقائب.

مجموعة من الشباب في مزار توري سيوداد المريمي في إسبانيا

ولم نملّ من سرد قصّة غي الذي ذهب إلى المطار بسيارته القديمة جدًّا لكيما ينقل الواصلين إلى المركز المؤقت في حي الناصرة، بيروت، الذي عاد إلى الحياة بعد الحرب. وهناك كانت باستقبالهم عائلة نادر التي ساعدت على إنشاء أوّل مركز لحبرية "عمل الله" في لبنان.

وكانت السيدة جورجيت التي تبنّتنا مثل أبنائها، تقلق دائمًا من أن تنقص القرفة في طعامنا، فتتأكّد من أن تزيدها في كلّ صحنٍ، ما أدّى إلى اضطرابات معوية كثيرة عند الإسبانيين. أمّا كوستاكيس الذي عرف "عمل الله" في غرينوبل، فرنسا، فقد رافقنا إلى التسوق من أجل تموين البيت للأسابيع الأولى. ونذكر أيضًا، في الفترة الأولى، متري الذي عرف "عمل الله" في كندا والإخوة سعادة الذين اهتمّوا بتجهيز المركز في الأشرفية. ولا ننسى زيارة البابا يوحنا بولس الثاني التاريخية إلى لبنان، ومخيم لحفد، ومباريات كرة السلة التي نظّمها دومينيك مع أوّل مجموعة من الشبان. نتذكّر أيضًا كيف اتّصلت خالة فادي الأرجينتينية، ماريا إيلينا، بالأب فيتوريو لتصرّ على هذا الأخير لكي يدعو ابن إختها إلى التعرّف على "عمل الله". وتفاجأ الأب فيتوريو بسرعة فادي في تلبية الدعوة، فكانت زيارة مصيرية لفادي آنذاك.

وبعد فترة وجيزة من وصولنا إلى لبنان، في 5 أذار 1997، وصلت مجموعة أولى من النساء في الحبرية ليكملوا هذه المغامرة التي بدأناها. فمنذ وصولهنّ، نما العمل الرسولي بمساعدة أشخاص كثيرين ماديًّا، معنويًّا وروحيًّا. فالرجال والنساء يعملون في الحبرية كما تعمل الرئتان معًا في جسم الإنسان. وهكذا، بدأنا بمشروع بناء مركز التلال، وأُنشئت مراكز جديدة في جونية وبعبدا وبدارو، وتوسّعت النشاطات إلى مناطق كثيرة مثل جبيل وبشري والبترون، ونُظّمت دورات لإثراء الحياة الأسرية وأنشطة للأولاد في بيروت وجبيل وبعبدا ومعاد، وافتُتحت حضانة للأطفال التي ستصير، بمعونة الله، مشروع مدرسة مستقبلية. كما أنّ العمل الرسولي امتدّ إلى بلدان الخليج مثل دبي في الإمارات العربية المتحدة وقطر… بالإضافة إلى نشاطات روحية ومبادرات إجتماعية وثقافية ورياضية وعائلية كثيرة تهدف جميعها إلى ماعدة اللبنانيين إلى إيجاد الله في حياتهم اليومية وإلى العيش بحسب إلهامات روح المسيح.

نشكر الله على النعم التي غمرنا بها في خلال هذه السنوات، إذ فاض علينا بدعوات كثيرة وبمئات الأشخاص، لا بل آلاف الأشخاص الذين يسعون الآن إلى عيش إيمانهم بحسب روحانية "عمل الله"، ونسأله أن يساعدنا لكي نكون أداة صالحة بين يديه في خدمة "عمل الله" والكنيسة والوطن والعالم أجمع.