مفاتيح خمسة لتقديس الحياة العادية

كان للقديس خوسيماريا إسكريفا، مؤسّس "عمل الله"، قناعة حاضرة في كلّ كتاباته وهي: ليست القداسة المدعوّ إليها المسيحي العادي بقداسة منقوصة، بل هي دعوة لكي نصبح متأمّلين حقيقيين في وسط العالم. فهل هي دعوة خيالية أم حقيقية؟

مفاتيح خمسة لتقديس الحياة العادية
1. أن نحبَّ الواقع في ظروفنا الحالية
2. أن نكتشفَ هذا "الشيء الإلهي" المختبىء خلف التفاصيل
3. أن نبحثَ عن وحدة الحياة
4. أن نرى المسيح في الآخرين
5. أن نعملَ كلّ شيء بمحبّة


المفتاح رقم 1: أن نحبَّ الواقع في ظروفنا الحالية

يسأل القديس خوسيماريا : "هل حقًّا تريد أن تصبح قدّيسًا؟ إذن، قمْ بواجبك في كلّ حين مهما كان متواضعًا. اعملْ ما يجب عليك عمله وكنْ أنت بما تعمل." وتوسّع في هذه المقاربة الواقعية حول القداسة في وسط العالم، مشدّدًا في في عظته أحبّوا العالم بشغف: "تخلّوا عن الأحلام الوهمية، والمُثُل المغلوطة، والنزوات، أو بكلام آخر، ما أسمّيه عادةً بصوفية الـ"لوْ": آه، لو لم أتزوّج! آه، لو لم أمتهن هذه المهنة! آه، لوْ...! آه، لوْ...! تمسّكوا جيدًا بالحقيقة الآنية الحاضرة، لأنّ الربّ موجودٌ فيها." وبالتالي، يدعونا القديس خوسيماريا، شفيع الحياة اليومية، إلى الغوص عميقًا في مغامرة كلّ يوم: "ليس هناك طريقًا آخر، يا أولادي: فإمّا أن نعرف كيف نجد الربّ في حياتنا اليومية العادية، أو أنّنا لن نجده على الإطلاق."

المفتاح رقم 2: أن نكتشفَ هذا "الشيء الإلهي" المختبىء خلف التفاصيل

"الله قريب منّا"، هذا ما كان يحلو للبابا بنديكتوس السادس عشر أن يذكّر به، وهذا ما يوصي به أيضًا القديس خوسيماريا محاوريه: "نحن نعيش وكأنّ الله بعيد عنّا، في العلى، حيث تلمع النجوم، فلا نرى أنّه حاضرٌ أيضًا ودائمًا إلى جانبنا." كيف نلتقيه إذًا، وكيف ندخل في علاقة معه؟ "إعرفوا جيدًّا أنّ هناك شيئً مُقدَّسًا، إلهياً، مُخبّأً خلف تفاصيل الحياة العادية ويعود لكلّ واحدٍ منّا أن يكتشفه." في الواقع، علينا أن نحوّل كلّ ظروف الحياة اليومية، أكانت ممتعة أو لا، إلى وسيلة للتحاور مع الله، وبالتالي، للتأمّل: "فهذه المهمة السخيفة، المشابهة لما يقوم به زملاؤك في العمل، لا بدّ أن تكون صلاةً دائمة بالنسبة إليك، تقولها بنفس الكلمات الحميمة والمألوفة، ولكن بوقعٍ مختلفٍ في كلّ يومٍ. تلك هي مهمّتك الحقيقية: أن تحوّل حياتك النثرية إلى بيوت شعرية، إلى قصيدة بطولية."

المفتاح رقم 3: أن نبحثَ عن وحدة الحياة

يعتبر القديس خوسيماريا أنّ التطلّع إلى حياة الصلاة الحقيقية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالبحث عن التحسّن الشخصي، وذلك عبر اكتساب الفضائل الإنسانية المبنية على حياة النعمة. فالتحلّي بالصبر، وعلاقات الصداقة والتعلّم من منها والهدوء في خلال مواجهة فشل مرير... هي المادة الأولية للحوار مع الله، ووسيلة لعيش القداسة. فالمسألة تكمن في "تجسيد الحياة الروحية" لتجنّب "العيش بازدواجية، أي الحياة الداخلية، كعيش علاقة مع الله، من ناحية ؛ وحياة أخرى منفصلة كالحياة العائلية والمهنية والاجتماعية الممزوجة بحقائق أرضية بسيطة، من ناحية أخرى." وفي كتابه "الطريق"، يصور القديس خوسيماريا هذه الدعوة بشكل حوارٍ قائلًا: "تسألني لماذا صليب الخشب هذا؟ فأذكر لك هذا المقطع من إحدى الرسائل التي كتبتها: عندما ترفع عينيك عن المجهر، يقع نظرك على صليب أسود اللون وفارغ. هذا الصليب من دون المصلوب هو رمزٌ. هو يحمل معنًى لا يراه الآخرون. والشخص المُتعَب الذي كان على أهبّة التخلّي عن مهمّته، ها هو يعود إلى عدسته ويتابع عمله، لأنّ الصليب الفارغ ينادي أكتافًا تحمله."

المفتاح رقم 4: أن نرى المسيح في الآخرين

إنّ حياتنا اليومية تقوم في الأساس على العلاقات العائلية والمهنية وعلى الصداقات. وهي، بالإضافة إلى أنّها مصدر أفراحنا، قد تكون أيضًا مصدر توتّرات أكيدة. ويكمن السرّ، بالنسبة إلى القديس خوسيماريا، في كيفية "التعرّف في أخوتنا البشر على المسيح الذي يأتي لملاقتنا... فلا يمكن لأحدنا أن يكون بيتًا شعريًّا منفصلًا ؛ فنحن كلّنا نؤلّف قصيدة إلهية واحدة كتبها الله بالتلاقي مع حريتنا". ومذّاك الحين، تكتسب علاقاتنا اليومية بدورها منحًى غير اعتيادي. "طفلٌ. مريضٌ. أفلا يراود أحدكم أن يسطّر هذه الكلمات بخطٍّ عريضٍ؟ فبالنسبة للروح المُحِبّة، الأطفال والمرضى إنّما هم المسيح ولا أحد سواه" . وانطلاقًا من هذا الحوار الحميم والدائم مع المسيح، تنشأ الرغبة الطبيعية بالتكلّم عنه مع الآخرين : "فيصير التبشير محبة الله التي تفيض من بذل الذات للآخرين."

المفتاح رقم 5: أن نعملَ كلّ شيء بمحبّة

"كلّ ما نعمله بمحبّة يتسّم بالجمال، بالعظمة". وفي هذا تعبيرٌ دقيقٌ عن روحانية القديس خوسيماريا. فليست القداسة في السعي للقيام بأعمالٍ كبيرةٍ، وبانتظار ظروفٍ استثنائيةٍ للتصرّف بشكلٍ بطوليّ، بل بالتعلّق المتواضع بالواجبات الصغيرة في كلّ لحظةٍ، واضعين فيها كلّ محبّتنا وكلّ الكمال الإنساني الكامن فينا. وكان يحلو للقديس خوسيماريا استخدام صورة الحمار الصغير عند الطاحون؛ ففيما تبدو حياته رتيبةً وبلا طعمٍ، لا تنفكّ تتكشّف عن خصوبة استثنائية. "مباركةٌ هي مثابرة الحمار عند طاحون المياه ! الخطوات نفسها دائمًا. الدورات نفسها دائمًا. كلّها متشابهة، متكرّرة يومًا بعد يوم. ولكن من دونها، لا نضوج للفاكهة، ولا نضارة في البستان، فتُحرَم الحدائق من عبق العطور. طبّق هذه الفكرة في حياتك الداخلية."


هذا النص مأخوذ من مقال لبياتريس دو لا كوستا منشور في ملحق "العائلة المسيحية" في 27 تشرين الأول 2012.

مقال لبياتريس دو لا كوستا - ترجمة فرنسوا خافيير الجميل

Aleteia