ملف صوتي للأب الحبري: زيارة المرضى والإعتناء بهم

يشرح الأب الحبري لـ"عمل الله" المطران خافيير اتشيفاريا أولى أعمال الرحمة الجسدية: زيارة المرضى والإعتناء بهم، مؤكدًا أنّ "الاهتمام بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لا يشكّل ميزةً تقتصر فقط على بدايات الـ"أوبس داي".

ملفات صوتية أخرى للأب الحبري حول يوبيل الرحمة:

1. أعمال الرحمة (المقدمة)

*****

تقدّم لنا الكنيسة أولى أعمال الرحمة الجسدية وهي "زيارة المرضى والاعتناء بهم" إذ أنّ المسيح قام بهذا العمل بشكلٍ مستمرٍّ ومتكرّرٍ في حياته على هذه الأرض. وفي مشاهدٍ كثيرةٍ في الإنجيل، نراه يشفي حماة بطرس ويعيد العافية لابنة يائيرس ويهتمّ بالرجل العليل قرب بركة بيت صيدا، أو نراه يتوقّف أمام أعميين كانا ينتظران دخوله إلى أورشليم. فإنّ ألم هؤلاء الأشخاص يظهر لنا أنّ الله يذهب للقائهم ويُعلن لهم الخلاص الذي أتى ليُحضرَه إلى جميع الناس.

وكان الربّ يرى في المرضى وجه الإنسانية الأكثر حاجة إلى الخلاص. فقد يحدث أنّنا عندما نتمتّع بصحّةٍ جيدةٍ نقع في التجربة فننسَ الله؛ ولكن عندما نختبر الوجع أو الألم في حياتنا، تخطرعلى بالنا صرخة الأعمى على مخرج أريحا: "يا ابن داوود، ارحمني!". ففي ضعفنا، نشعر بشكلٍ خاصٍ أنّنا مخلوقات مسكينة.

لنتوقّف نحن أيضًا أمام إرهاق الآخرين، على مثال يسوع؛ إذ إنّ الروح القدس، الحب اللامتناهي، يواسي الآخرين من خلال مرافقتنا لهم وتحدّثنا إليهم ومن خلال صمتنا المحترم والمفيد عندما يحتاج المريض إلى ذلك. كلّنا نهتم بنشاطات كثيرة كلّ يوم، ونرى المهمّات تتضاعف من دون توقّف: ولكن لا يمكننا أن نسمح بأن تدفعنا أعمالنا والتزاماتنا بجدولٍ زمنيٍّ مضغوطٍ إلى نسيان المرضى.

كثيرة هي أمثلة القديسين والقديسات الذين تمثّلوا بالمسيح من خلال عمل الرحمة هذا بالتحديد. فعلى سبيل المثال، عادة ما كان القديس خوسيماريا يشرح أن الـ"أوبس داي" ولدت، كحاجةٍ بحدّ ذاتها، في المستشفيات وبين المرضى. فمنذ أن انتقل إلى مدريد عام 1926 أو 1927 وحتى عام 1931، ساهم بشدّةٍ في عددٍ من المؤسسات الرعائية التي كانت تهتمّ بمرضى المستشفيات وضواحي العاصمة كـ"مؤسسة رعاية المرضى"، وأخوية القديس فيبليبو نيري، إلخ... وكان حوالى المليون شخصٍ يسكن مدريد في ذلك الوقت، فيما الضواحي بعيدة عن بعضها البعض وتفتقد فيها وسائل التنقل... ولكي يخدم القديس خوسيماريا آنذاك المرضى في منازلهم أو أكواخهم، كان يضطرّ للذهاب دائمًا سيرًا على الأقدام، أينما دعت الحاجة، لينقل لهم عطر المسيح ورحمة الله الآب. وكم من الأشخاص انتقلوا إلى السماء من خلال هذا العمل الكهنوتي الذي قام به القديس خوسيماريا!

وإلى تلك المستشفيات أو إلى أماكن أخرى، كان يذهب برفقة بعض الشباب الذين كان يهتمّ بهم روحيًا، خصوصًا ابتداءً من العام 1933. وكان يقدّم معهم للمرضى كلامًا حنونًا أو خدماتٍ مختلفةً، كغسلهم أو قصّ أظافرهم أو تصفيف شعرهم أو مساعدتهم على قراءة بعض الكتب الجيدة. وقد اكتشف الكثير من هؤلاء الشباب في أعماقهم كيفية إيجاد المسيح في المرضى وفي ذوي الحاجات الخاصة، من خلال الاحتكاك بألم أشخاصٍ آخرين وبفقرهم.

يا بناتي وأبنائي، ويا أيّها الأصدقاء والصديقات الذين يشاركون في العمل الرسولي للحبرية: الاهتمام بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لا يشكّل ميزةً تقتصر فقط على بدايات الـ"أوبس داي". فالحبريّة لا تزال تولد من جديدٍ وتنمو كلّ يومٍ أكثر فيكم وفيّ، وذلك حينما نؤدّي أعمال الرحمة تجاه المحتاجين ونكتشف المسيح في النفوس المحيطة بنا، لا سيّما في تلك التي تعاني من سوءٍ ما.

فلنحمل لهم رحمة الله مثلما فعل المسيح، من خلال الاعتناء بهم ومن خلال حضورنا وخدماتنا وحتى من مجرّد اتصال هاتفي. فقد نتمكّن بذلك صرف تركيزهم عن الألم أو الوحدة، ونسعى إلى الإصغاء بصبرٍ إلى الهموم التي تثُقل عليهم، وننقل الحنان والقوّة إليهم لكي يتفاعلوا بشهامةٍ مع ظروفهم، محاولين تذكيرهم بأنّ المرض هو فرصة للاتحاد بصليب يسوع.

كتب القديس خوسيماريا في كتاب "طريق" المشهور في كلّ أنحاء العالم: "يا طفل. يا مريض. عند كتابة هاتين الكلمتين، ألا تشعرون بدافعٍ يحملكم على كتابتهما بحرفٍ كبيرٍ؟ ذلك أنّ الأطفال والمرضى في نظر نفسٍ مغرمةٍ بالمسيح هم المسيح". ومنذ صباه، وأعني هنا القديس خوسيماريا، كان يرى المسيح في الأشخاص المتألّمين، لأنّ يسوع لم يشف فقط المرضى إنّما جعل نفسه مثلهم. فابن الله عانى آلامًا مبرحة: لنفكّر مثلًا في نزاع يسوع الجسدي والروحي في بستان الزيتون، وفي الألم الفائق الوصف الذي سبّبه كلّ ضربة سياطٍ في خلال الجلد، وفي وجع الرأس ووهن الجسد اللذين استولا عليه مع مرور الساعات في آلامه المقدسة...

قد يجد الذين يتحمّلون آلام المرضٍ، في هذا الوضع الأليم، ثقلاً عظيمًا مجرّدًا من أيّ معنى، فيتحوّل إلى ظلامٍ وواقعٍ مريرٍ لا معنى فيه. لذلك، إن سمح الربّ بأن نختبر الألم، لنقبلنّه. وإن لا بدّ من الذهاب إلى الطبيب، لنطعْ إرشاداته بوداعةٍ، ولنكن مرضى جيّدين: ولنجتهدْ، متّكلين على عون النعم السماويّة، لقبول هذا الوضع ولنرغبْ باستعادة قوانا من أجل خدمة الله والآخرين بكرمٍ. ولكن، إذا كان لإرادة الله نحوٌ آخر، فلنقلْ ما قالته العذراء: ليكنْ لي بحسب قولك! فلتتمّ مشيئتك...

وبهذه الطريقة، سوف نعلم كيف نتوجّه إلى الربّ في صلاتنا معبّرين له بما يلي:

"لا أفهم ما تريد، ولست بطالبٍ أن تفسّره لي. فإذا أنت سمحت بالمرض، مُدَّني بالعون لتحمّل هذه المحنة: فلأتّحدْ أكثر بك، ولأتّحدْ أكثر بمَن يرافقني، ولأتّحدْ أكثر بكلّ الإنسانية". لنثقْ بالروح القدس، مردّدين كلمات القديس خوسيماريا: "يا روح الفهم والمشورة، يا روح الفرح والسلام! إنّي أريد كلّ ما تريد، وأريد لأنّك تريد، وأريد كما تريد، وأريد حينما تريد...".

فكَمْ من الخير يفيض في نفس كلّ واحدٍ منّا إذ حملنا الرحمة لغيرنا! فلنسألْ الربّ، من خلال والدته القديسة، أن يساندنا لكي ننقل حنان الله إلى كلّ مَن يعاني من وهنٍ في الصحة، ولنستقبلْ بسلامٍ رحمته، إذا ما كانت إرادته تتبلور في أن نتّحد نحن به على الصليب.

(تجدر الإشارة إلى ان الملف الصوتي ينقل رسالة المطران خافيير اتشيفاريا باللغة الإسبانية).