التّوبة

"لقد وكل المسيح إلى رسله خدمة المصالحة، وإلى الأساقفة خلفائهم, وإلى الكهنة معاونيهم الذين يصيرون هكذا أدوات رحمة الله وعدالته. وهم يغفرون الخطايا باسم الآب والإبن والروح القدس."

1. أفعال خادم السرّ 1.1 من هو خادم السرّ وما هي مهمته؟

"لقد وكل المسيح إلى رسله خدمة المصالحة، وإلى الأساقفة خلفائهم, وإلى الكهنة معاونيهم الذين يصيرون هكذا أدوات رحمة الله وعدالته. وهم يمارسون سلطان عفران الخطايا باسم الآب والإبن والروح القدس." (مختصر، 307)

يحقق المعرِّف خدمة المصالحة بفضل السلطان الكهنوتي المقتبل في سر الدَّرجة. لكنّ ممارسة هذا السلطان خاضعة لقوانين الكنيسة مما يجعل من الضروري للكاهن أن يحوز على صلاحية ممارسته لدى مؤمنين معيينين أو مجموعة منهم.

عندما يقوم الكاهن بخدمة سرّ التوبة، إنّما يقوم بخدمة الراعي الصالح الذي يبحث عن النعجة الضالة، وخدمة السامري الرحيم الذي يضمّد الجروح، والأب الذي ينتظر الإبي الشاطر ويرحّب به عند عودته، والقاضي الذي لا يحابي أحدًا، ويصدرُ حكمًا عادلاً ورحيمًا. وقصارى القول أنّ الكاهن هو علامة محبة الله ورأفته بالخاطئ وأداتها. ( التعليم المسيحي، 1465)

"نظرًا إلى دقة هذه الخدمة وعظمتها، وإلى الإحترام الواجب للأشخاص، كلّ معرِّف، بدون استثناء، ملزم تحت طائلة العقوبات الشديدة، بحفظ الختم الأسراري، أي السرّ المطلق في شأن الخطايا التي يقرّ بها له التائبون." (مختصر، 309)

1.2. الحلّة السرِّية

من بين أعمال المعرِّف، بعض منها ضروري حتى يتمكن التائب من تحقيق ما يعود إليه. تحديدًا: سماع اعترافه وفرض الكفّارة. بالإضافة إلى ذلك، بالسلطان الكهنوتي لسرّ الدرجة، يمنحه الحلّ تاليًا الصيغة التي تفرضها الرتبة والتي تشكل هذه الكلمات: "أنا أحلك من خطاياك باسم الآب والإبن والروح القدس"، جزء جوهري منها. (1)

"وهكذا بواسطة سر التوبة، يستقبل الأب ابنه العائد إليه، ويحمل المسيح على كتفيه النعجة الضائعة ويقودها من جديد إلى الحظيرة، ويأتي الروح القدس ليقدس من جديد هيكله حيث يسكن بملء أكبر." (2)

2. مفاعيل سرّ التوبة

"مفاعيل سرّ التوبة هي: المصالحة مع الله وبالتالي غفران الخطايا. والمصالحة مع الكنيسة. واستعادة حالة النعمة إذا كانت قد فقدت. ومَحْو العقاب الأبديّ الذي تستوجبه الخطايا الثقيلة، والعقوبات الزمنيّة – ولو جزئيًا – الناجمة عن الخطايا. والسلام وطمأنينة الضمير والتعزية الروحيّة. وتنامي القوى الروحية في سبيل الجهاد المسيحي الروحيّ." (مختصر، 310)

القديس خوسيه ماريّا إسكريفا يلخِّص هذه المفاعيل بطريقة حيّة: " الربّ يغسل نفسك في هذا السرّ الرائع، هو يغمرك بالفرح والقوة كي لا تسقط في المعركة ولكي تعود بلا كلل إلى الله حتى ولو بدا لك أن كل شيء مظلم. (3)

"في هذا السرّ يستبق الخاطئ، نوعًا ما، بوضع ذاته تحت حكم الله الشفوق، الحكم الذي سوف يخضع له في ختام حياته الدنيوية." ( التعليم المسيحي، 1470)

3. ضرورة وفائدة سرّ التوبة

3.1. ضرورته لغفران الخطايا الجسيمة

"بالنسبة للذين سقطوا بعد العماد، سرّ التوبة هذا هو ضروري بقدر ما المعمودية هي ضرورية بالنسبة لمن لم يولدوا بعد من جديد." (4)

“تأمر الكنيسة "كل مؤمن بلغ سن الرشد بأن يعترف، أقله مرّة في السنة، بالخطايا الثقيلة التي يتذكرها". (الحق القانوني اللاتيني، 989)” (التعليم المسيحي، 1457).

“"من يتذكّر خطيئة مميتة ارتكبها، عليه ألاّ يتناول القربان المقدس،[...] قبل أن ينال الحلّة السرّيّة، حتى وإن أوجس ندامة كبيرة، ما لم يكن له سبب خطير للتناول، وامتنع عليه الوصول إلى كاهن معرّف. في هذه الحالة ليتذكّر أنه ملزم بإتيان فعل ندامة كاملة يتضمن العزم على الإعتراف في أقرب فرصة." (الحق القانوني اللاتيني، 916)” (التعليم المسيحي، 1457)

3.2. فائدة الإعتراف المتواتر

الإعتراف بالخطايا اليوميّة (الخطايا العرضية) ليس ملزمًا حصرًا، ولكن الكنيسة تحبذه بشدّة. ولا غرو، فالإعتراف المنتظم بخطايانا العرضية يساعدنا في تهذيب ضميرنا، ومكافحة ميولنا الرديئة، والتماس البرء من المسيح، والتقدم في حياة الروح. (التعليم المسيحي، 1458)

"إن اللجوء بتواتر وعناية إلى هذا السرّ هو أيضًا جزيل الفائدة فيما يخص الخطايا العرضية.  في الواقع، ليس المقصود هنا، مجرد ترداد طقوسي ولا ممارسة ذات سايكولجية، إنما الجهد المستمر كي تكمل فينا نعمة المعمودية التي تجعلنا مطابقين لموت المسيح بشكل يجعل حياة يسوع تظهر فينا أيضًا.(5)

4. الإحتفال بسرّ التوبة

"إن الإعتراف الفردي والكامل مع الحلة هما الوسيلة الوحيدة العادية كي يتصالح المؤمنون مع الله والكنيسة، إلا إذا أعفى من مثل هذا الإعتراف مانع طبيعيّ أو أدبيّ." (6)

“الكاهن يستقبل التائب بمحبة إخوية [...] ثم يرسم التائب إشارة الصليب قائلاً: "باسم الآب والإبن والروح القدس، آمين." يستطيع الكاهن أن يفعل ذلك في الوقت نفسه. بعد ذلك يدعو الكاهن التائب بصيغة مختصرة إلى التعبير عن ثقته بالله” (7)

“عندئذ يقرأ الكاهن أو التائب نفسه، إذا تبين أن ذلك مفيد، نصًا من الكتاب المقدس. يمكن أيضًا أن تصير هذه القراءة أثناء إعداد السرّ. كلمة الله تنير المسيحي كي يعرف خطاياه وتدعوه إلى التوبة والثقة برحمة الله” (8)

“بعد ذلك، يعترف التائب بخطاياه” (9). يحضّه الكاهن على التوبة ويعطيه النصائح المناسبة كي يبدأ حياة جديدة ويفرض عليه الكفّارة. “ثم يظهر التائب ندامته وعزمه على سلوك حياة جديدة بتلاوة صيغة صلاة يلتمس بها المغفرة من الله” (10) ثم يمنحه الكاهن الحلّ.

فور حصول التائب على الحلّ يمكنه أن يعلن رحمة الله ويشكره بصيغة قصيرة مأخوذة من الكتاب المقدس أو يتلو الكاهن صيغة تمجيد لله وصرف للتائب.

“سرّ التوبة، يجوز إقامته أيضًا في إطار احتفال جماعي، نستعد فيه معًا للاعتراف، ونشكر لله معًا ما جاد به علينا من الصفح. في هذا الإطار يفسح مجال للاعتراف الفردي بالخطايا، وللحلّ الفردي، في تضاعيف ليترجيا كلمة الله، مع ما يرافق ذلك من قراءات وعظة ومحاسبة ضمير مشتركة، والتماس جماعي للصفح وصلاة الأبانا والشكر المشترك” (التعليم المسيحي، 1482).

إن القواعد المختصة بمكان الأعتراف تحددها المجالس الأسقفية ذات الصلاحية والتي يتوجب عليها التكفل بأن يتم في “مكان جلي” “مزود بشبكة” لكي يتمكن التائبون من استعماله والمعرّفون أنفسهم الذي يرغبون بذلك (11). “يجب ألا يسمع الإعتراف خارج كرسي الاعتراف إلا لسبب صوابي” (12)

5. الغفرانات

إنّ الشخص الذي خطئ لا يحتاج إلى مغفرة ذنبه فقط من حيث أنه أهان الله، إنما إلى التحرر من العقوبات المستحقة من جراء هكذا خلل. بغفران الخطايا الثقيلة ينال الخاطئ أيضًا التحرر من عقوبة الإنفصال الأبدي عن الله لكن بطبيعة الحال يبقى مقيّد بعقوبات زمنية، أي غير أبدية. الخطايا العرضية تستحق أيضًا عقوبات زمنية. “هذه العقوبات” يفرضها حكم الله العادل والرحيم بهدف تنقية النفوس، الحفاظ على قداسة النظام الأدبي وإصلاح ما أهين من جلال مجد الله. فكل خطيئة تحتوي بذاتها إخلالاً بالنظام العام الذي أقامه الله بحكمته اللاموصوفة ومحبته اللامحدودة وتدميرًا لخيور جمّة إن على صعيد الخاطئ وإن على صعيد الجماعة البشرية. (13)

“الغفران هو أن يترك لنا الله العقاب الزمني الذي تستتبعه الخطايا المغفورة غلطتها. وترك العقاب هذا يحظى به المؤمن بشروط معيّنة، بفعل الكنيسة التي جعلها الله قيّمة على ثمار الفداء فتوزعها بسلطانها، وتطبق على المؤمنين استحقاقات المسيح والقديسين.” (التعليم المسيحي، 1471)

“الخيور الروحيّة النابعة من شركة القديسين، نسميّها أيضًا كنز الكنيسة. "وليس هذا الكنز مجموع خيور، على شاكلة الثروات المادّية المكدسة على مدى الأجيال، بل هو الثمن اللانهائي الفيّاض الذي أحرزته، عند الله، كفّارات المسيح ربنا واستحقاقاته المقرّبة لتُعتق البشرية من الخطيئة وتنال الشركة مع الآب. ففي المسيح فادينا تفيض كفّارات فدائه واستحقاقات هذا الفداء. وينضاف إلى هذا الكنز أيضًا صلوات الطوباوية مريم وأعمالها الصالحة، ولها، في نظر الله، ثمن دائم التجدد لا حدّ له ولا قياس، وكذلك صلوات جميع القديسين وأعمالهم، وقد تقدّسوا بنعمة المسيح، وساروا في خطاه، وأرضوا الرب بسيرتهم، وساهموا، وهم يعملون لخلاصهم في خلاص إخوتهم أيضًا، في وحدة الجسد السري". (14)” (التعليم المسيحي، 1476-1477).

“يكون الغفران جزئيًا أو كاملاً، حسبما يُعفى الخاطئ جزئيًا أو كليًّا من العقاب الزمني الذي تجرّه الخطيئة. كلّ مؤمن باستطاعته أن يحصل على غفرانات [...] لنفسه أو يطبقها على الراقدين” (التعليم المسيحي، 1471)

“يمنح، بفعل الكنيسة، للمؤمن الذي، أقلّه بقلب نادم، يقوم بعمل ينعم بغفران جزئي، إعفاءًا من العقوبة الزمنية، مطابق لذلك الذي يحصل عليه بفعله نفسه” (15).

“ربح الغفران الكامل يستلزم القيام بالعمل الذي ينعم بالغفران وتتميم الشروط الثلاثة التالية: الإعتراف السرّي، المناولة الإفخاريستيّة والصلاة على نوايا الحبر الأعظم. بالإضافة إلى ذلك، يلزم الأبتعاد عن كلّ تعلق بالخطايا حتى العرضية. إذا ما لم يتوفر هذا الإستعداد ولم تكتمل الشروط المشار إليها أعلاه، [...] يكون الغفران جزئيًا” (16).

أنطونيو ميرالِّس

المرجع الأساسي

التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1422-1484

مطالعات ينصح بها

رتبة سرّ التوبة، مقدمة، 1-30

يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي "المصالحة والتوبة"، 1984

بولس السادس، دستور رسولي "في الغفرانات"، 1967

الحواشي

1.   رتبة سرّ التوبة، مقدمة، 19.

2.   المرجع السابق، 6، د.

3.   القديس خوسيه ماريّا، أصدقاء الله، عظات، 214.

4.   مجمع ترنت، الجلسة 14، تعليم في سرّ التوبة، ق2: د1674.

5.   رتبة سرّ التوبة، مقدمة، 7، ب.

6.   المرجع السابق، 31.

7.   المرجع السابق، 16.

8.   المرجع السابق، 17.

9.   المرجع السابق، 18.

10.          المرجع السابق، 19.

11.          يوحنا بولس الثاني، الرحمة الإلهيّة،

12.          الحق القانوني اللاتيني، قانون 964، § 3.

13.          بولس السادس، دستور رسولي "في الغفرانات"،

14.          المرجع السابق، 5.

15.          المرجع السابق، قواعد 5.

16.          المرجع السابق، قواعد 7.