OPUS DEI: طريق في الكنيسة يلقي الضوء على عظمة الحياة العادية

ننقل إليكم في ما يلي المقال الذي نشرته صحيفة "النشرة" الإلكترونية اللبنانية عن حبرية "عمل الله" ( أوبس داي)، والتي استعانت فيه بخبرة حياة أحد أعضاء الحبرية لإيصال أهمية رسالة تقديس الحياة العادية.

مارسيل عيراني - خاص النشرة

لم تعد القداسة مسألة نظرية مرتبطة بمجموعة قليلة من النخب المسيحية الذين يسعون لعيش الفضائل إلى حدود البطولة، فالحياة اليومية العادية أصبحت أيضاً طريقاً لتقديس الذات والآخرين وإلى تقديس كل المجتمع. هذه الرسالة، "القديمة قدم الإنجيل والجديدة كالإنجيل أيضاً"، تحملها مؤسسة مسيحية تابعة للكنيسة الكاثوليكية وتحمل إسم Opus Dei باللاتينية، أو "عمل الله" بالعربية، وهي منتشرة في أكثر من 60 بلدا، وتضم حوالي الـ85 ألف عضو من العلمانيين و2% فقط منهم كهنة.

دعوة القداسة موجّهة للجميع

تأسست الـ"أوبس داي" لتذكّر المؤمنين العلمانيين بضرورة إيجاد الله في الحياة العادية والأعمال اليومية، إذ إن الدعوة الرهبانية يوجهها الله لعدد محدود من المسيحيين، أما سائر الناس، فليسوا بمسيحيين فئة ثانية وواجب وصولهم إلى القداسة لا يقلّ عن واجب الراهب بتحقيق ذلك.

ويشرح فادي الشاعر، وهو طبيب أسنان منتسب إلى "عمل الله" منذ أكثر من 15 سنة، أن "الـ"أوبس داي" هي حبرية شخصية، وقد قرر الفاتيكان منحها هذه المكانة عام 1982 في عهد البابا يوحنا بولس الثاني. والحبريات الشخصية هي حبريات قانونية أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني كشكل قانوني ذات طبيعة مرنة يساعد الكنيسة على متابعة متطلبات رسالتها الرعوية في العالم".

ويوضح الشاعر أن "العمل الرسولي الذي تقوم به الحبرية ليس كناية عن تجمعات كبيرة بل عن العلاقة المباشرة مع الأشخاص والصداقة، وهو بالتالي كناية عن مرافقة عبر تقديم الإرشاد الروحي لمن يرغب من الذين يشاركون بالنشاطات التي تقوم بها، معتبراً أنه "عندما ينال الإنسان الإرشاد الروحي في حياته، وعندما يعترف بخطاياه بشكل دوري ويلتزم ببرنامج حياة: من الصلوات، إلى القداس، وتلاوة المسبحة، وفحص الضمير... فهو على الطريق الصحيح نحو القداسة ولو أنه لم يصل إليها بعد".

ويؤكد أنه "عندما يسعى المرء لتقديس العمل اليومي تكبر مسؤوليتهم: فلا يمكن تقدمة "شو ما كان" لله، بل يجب السعي لأن نتمم عملنا بجدية وبدقّة. فأنا كطبيب أسنان، أسعى لأن أعمل بضمير، ليس لإرضاء مرضاي فقط بل، وقبل كل شيء، لأن الله يراني ولأنني أقدم له عملي"، مشيراً إلى أن انتسابه إلى "عمل الله" غيّر كل شيء في حياته، ويقول: " الـ"أوبس داي" ليست معروفة كثيراً في لبنان ولكنها تساعد العمل الرعوي الذي تقوم به الكنيسة المحليّة منذ 16 سنة".

الكنيسة تعترف بعمل هذه المؤسسة

وفي هذا الإطار، يؤكد راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر لـ"النشرة" أن "هذه المؤسسة هي علمانية وكهنوتية ويرأسها مطران يوافق على تعيينه بابا روما، وبالتالي فإن عملها الرسولي معترف به في الكنيسة إذ إنها تدعو العلمانيين إلى الصلاة وتقديس الذات بأي عمل يقوم به الإنسان يومياً في أي خانة كان".

ومن جهته، يضيف الشاعر: "مسؤوليتنا بالقداسة هي نفس مسؤولية الراهب والمكرس، وقد نسي الناس ذلك لسنوات عدّة. فالنذور ليست شرط حصري للقداسة، فقد قال يسوع: "كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل" وقد قالها "للجميع" وليس لفئة معينة من الناس"، مشيراً إلى "أننا نحبّ ونحترم ونقدّر عالياً الدعوات الرهبانية، ولكنها، شئنا أم أبينا، ليست للجميع... فإذا الله لم يدعوني إلى الترهّب، فهذا لا يعني أنني يجب أن أهمل حياتي المسيحية وأن أعيش حياة الفتور وكأن المسيحية لا تعنيني إلاّ في مشاركتي بقدّاس الأحد، فيما تبقى سائر أيام الأسبوع غير معنية بالدين الذي أؤمن به"، مشيراً إلى أن "مؤسس "عمل الله"، القديس خوسيماريا اسكريفا، حذّر مما سمّاه "إنفصام الشخصية في الحياة المسيحية" أو ما سمّاه أيضاً بـ"الحياة المزدوجة": أي من جهة، العلاقة مع الله، ومن جهة أخرى، الحياة الإجتماعية والعائلية والمهنية. وقال مراراً: "لدينا قلب واحد لنحب الله والناس... فلا يمكن أن نعيش حياة مزدوجة، بل يجب أن نكون مسيحيين طيلة أيام الأسبوع".

التزام أعضائها ودورهم الإجتماعي

يلتزم أعضاء "عمل الله" بـ: المشاركة في القداس، وبصلاة المسبحة الوردية، وبفترة تأمل، وقراءة كتاب روحي لمدة 15 دقيقة، وذلك يومياً، كلٌّ في الوقت الذي يناسب ظروف عمله. كما ويلتزمون أيضاً بالإعتراف الدوري (كل أسبوع أو 15 يوماً) وبالإرشاد الروحي الذي يقتصر على المسائل المتعلقة بالحياة الروحية إذ لا يتم التدخل أبداً بحياة الشخص المهنية أو بقراراته الشخصية المتعلقة بمهنته: فما تقدمه "عمل الله" لأعضائها هي التنشئة الروحية المتينة لكي يأخذ كل شخص قراراته بحريّة تامة على ضوء تعاليم الكنيسة.

ويلتزم الأعضاء أيضاً بالسعي لعيش كل الفضائل، دون أية نذور، ويقومون بمشاريع ومؤسسات بهدف خدمة المجتمع الذين ينتمون إليه، فيؤسسون، بالتعاون مع أصدقاء لهم أو بعض معارفهم، جمعيات أو معاهد أو مراكز تنموية أو حتى مستشفيات ومدارس. ويقومون بنشاطات عدّة تثقيفية وإجتماعية وروحية في مراكز "عمل الله" أو في الكنائس الرعوية أو في أي مكان عام آخر وهي نشاطات مفتوحة للجميع، رغم أنها ليست الهدف الأول للمؤسسة. فالهدف الأول يبقى خصوصاً التنشئة المسيحية.

لا تتميّز نشاطات هذه المؤسسة بالجماهرية، أو بالتجمعات الكبيرة، بل تعتمد خصوصاً على العلاقات الشخصية، وأعضاؤها هم من كافة فئات المجتمع: مزارعين وصحافيين ومهندسين وعمّال نفايات وربّات منزل وأطباء وتجّار وموظفين ... وفي أحد اللقاءات مع المؤسس، قال: "لا يهمّ ما هي المهنة التي يقوم بها الشخص، بل المهم هو كيف يمكنه أن يحب الله أكثر من خلالها".

تتعرّض هذه المؤسسة لإتهامات كثيرة معظمها مبني على ما نشر عنها في كتاب "دا فينشي كود"، وهنا يؤكد الشاعر أن "هذا الكتاب هو مليء بالأكاذيب عن المسيح وعن الكنيسة، ولكن للأسف البعض يعتبره معياراً لتقييم "عمل الله" علماً أن ما نشر عنها فيه هو أيضاً من نسج خيال الكاتب". ويقول: "نحن كأشخاص ملتزمين بهذا الطريق نعاني من بعض الأقاويل التي تندرج في إطار "يُقال لنا... سمعنا أنه.... إلخ"، فبعض الناس لا يعرفون شيئاً عن "عمل الله" ولكنهم قرأوا أو سمعوا شيئاً من هنا أو هناك وقرروا اعتماده كمعيار لإنتقادنا"، مشدداً على أن "ما من أمور خفية أو مخبأة في "عمل الله" ويكفي رؤية الصفحات الإلكترونية الخاصة بها للتأكد من ذلك".

هذا الطريق الذي فتح في الكنيسة منذ العام 1928 هو أحد الطرقات العدّة التي توضع أمام مسيحيي اليوم ليجد كلّ مكانه ودوره ودعوته، حتى لا تبقى المسيحية مجرّد شهادة معلّقة على حائط منسي في حياته فتغمرها الغبار... وسرعان ما تمحو أثارها شيئاً فشيئاً.

https://tinyurl.com/d4tg8ru