دع نفسك تُفاجَأ بأبٍ طيّب

مقالٌ بقلم المونسنيور فرناندو أوكاريز، حبر "عمل الله"، نُشرَ في 26 كانون الثاني/يناير 2019 في صحيفة "لا رازون"، في إطار اليوم العالمي للشباب لعام 2019.

إذا أرى سماواتك، عمل أصابعك، والقمر والنجوم التي كونتها، فمن هو الإنسان حتى تذكره ؟ وابن آدم حتى تفتقده؟ (مز 8، 4-5). تعكُس هذه التعابير التي يتفوّه بها كاتب سفر المزامير عمقَ الدهشةِ التي تستيقظ في نفس الإنسان عندما يتأمّل في ضخامة الكون، وفي الوقت نفسه، يكتشف رغم صغرِهِ أنّ الله يحبّه بلا حدود، لنفسه وكما هو.

لكنّنا في بعض الأحيان، ربما ينتابنا شعورٌ بأنّ اختبارنا لمفهوم الكمال عجيبٌ وجميل، ولكنّه متعذّر المنال. لطالما نعتقدُ أنّ الله بعيدٌ جالسٌ هناك حيث تسطع النّجوم، وأنّه ليس بالفعل قريبًا منّا حيث نحن منغمسون في هرج ومرج الحياة التي تملؤها الانشغالات، والمشاريع، والأمور التي يجب تنفيذها، وقد حذّرنا القدّيس خوسيماريا من هذا الاعتقاد. وفي أحيانٍ أخرى، تتعالى أصداءُ الشكّ في داخلنا: وكلّ ذلك من أجل ماذا؟ ما النفع من قيامي بهذا أو ذاك؟ إلى أين أريد الوصول؟ عمّا أبحث بالفعل؟ إنّها شكاوى تستيقظُ في أنفسنا التي تشعر بأنّها تتوق إلى شيءٍ أسمى، وبمساعدة الروح القدس تفتح عيوننا إلى آفاقٍ واسعة.

يُشكّل عمر الشباب مرحلةً ملائمةً لكي يطرَح فيها يتم طرح هذه الأسئلة، كما أنّ هذه المرحلة مفعمة بالإمكانيات وبتحدياتٍ وقرارات عظيمة قادرة أن تغيّر في مسار الوجود. وتنبض في هذه المرحلة الرغبة في عَيش كل لحظة وعدم إضاعة أي منها وفي التأكّد من سَير مشروع الحياة الخاص بكل شاب. إذًأ، نجد أنّه من الضروري تخصيص أمكنة وأوقات للتفكير وللنضوج، للنظر في ما مضى وصولًا إلى الوقت الحالي، وذلك من أجل اكتشاف الحاضر مجدّدًا – كل ما توصّل إليه كل شخص – وعرض المستقبل وتخيّله.

لا أحد منّا خُلقّ على هذه الأرض عن طريق الصدفة؛ فلقد وضعنا الله على هذا الكوكب لكي نشارِك في مشروعٍ ضخم، لكي نساهم معه في سَير تاريخ البشريّة. كلّ كائن بشريّ يهمّ الله، ولدىيه مشروع خاصّ لكلّ منّا.

لكنّ ذلك يمكن أن يسبّب بعض الخوف إذ إنّه يعني الخروج من كل ما هو فوري وما يبدو آمنًا. قال البابا فرنسيس في رسالته من أجل التحضير ليوم الشبيبة العالمي في باناما متوجّهًا إلى الشباب: أدعوكم إلى النظر في داخلكم وإلى "تسمية" مخاوفكم. (...) إسألوا أنفسكم: اليوم، في وضعي الحالي، ما الذي يُقلقني، ما الذي أخشاه الأكثر؟ لماذا لا أملك القيمة اللازمة لاتّخاذ القرارات المهمّة التي عليّ اتّخاذها؟ ومن ثمّ شجّعهم قائلًا: لا يجب أن تسمحوا للخوف أن يتملّككم بل أن يمنحكم الفرصة للقيام بفعل إيمانٍ بالله... وبالحياة أيضًا. أي الإيمان بالصلاح الذي في الوجود الذي أعطانا إياه الله، والثقة بأنّ الله يصطحبنا إلى نهايةٍ جيدة من خلال المرور أيضًا بظروفٍ وتقلبات التي غالبًا ما تبدو لنا غامضة.

يريد الله من خلال هذه الأسئلة أن يُظهر لنا بانوراما يُرينا فيه العظمة والجمال، بانوراما ربّما كان مخفيٌّ عن أنظارنا. من الضروري إذًا أن نثق به وأن نُخطي خطوةً نحو الالتقاء به، وأن نتخلّص من الخوف الذي يجعلنا نفكّر بأنّنا سوف نخسر أمورًا جميلة وكثيرة في الحياة إذا اقتربنا منه. فقدرة الله على مفاجأتنا أكبر بكثير من جميع توقعاتنا.

فالاقتراحات التي يطرحها الله علينا، كما فعل مع مريم، ليست لإخماد أحلامنا، بل لإشعال رغبات فينا، وذلك لكي تُثمِر حياتنا وتُنبِت بسمات وتُفرح قلوبًا كثيرة؛ هكذا أكّد البابا في شريط الفيديو-الرسالة حول يوم الشبيبة العالمي، متّخذًا مثال العذراء مريم، التي بقولها ال"نعم" السخية لله، بدّلت مسار التاريخ إلى الأبد.

فرناندو أوكاريز برانيا، حبر الـ"أوبس داي".