عشرة أسئلة عن الزواج

يجيب القديس خوسيماريا على عشرة أسئلة متعلّقة بالحب والزواج والخطوبة والإخلاص وتربية الأطفال، بالإضافة إلى القيم الرئيسية في تحقيق عائلة موحّدة، وما يحدث للأزواج غير القادرين على الانجاب...

1. ما هي القيم الأكثر أهمية في الزواج المسيحي؟

معظم أعضاء الـ"أوبس داي" متزوجين، لذلك أستطيع التحدث في هذا الموضوع إنطلاقاً من خبرة سنوات عدّة من النشاط الكهنوتي في بلدان كثيرة. إنّ الحبّ البشريّ والواجبات الزوجيّة بالنسبة لأعضاء الـ"أوبس داي" المتزوجين، يشكّلان جزءًا من دعوتهم الإلهية. فقد جعلت الـ"أوبس داي" من الزواج طريقًا إلهيًّا، دعوةً، ولهذا الأمر إنعكاسات كبيرة على صعيديّ القداسة الشخصيّة والعمل الرسوليّ. لقد أمضيت ما يقارب الأربعين عامًا متحدّثًا عن معنى الدعوة إلى الزواج، وقد أتيحت لي الفرصة أكثر من مرّة، لرؤية وجوه رجالٍ ونساءٍ تستنير، إذ كانوا يعتقدون أنّ تكريس ذواتهم لله يتنافى مع الحبّ الإنسانيّ النبيل والنقيّ الذي يعيشونه؛ فهم سمعوني أقول إنّ الزواج هو طريقٌ إلهيٌّ على الأرض!

إنّ الهدف من الزواج هو مساعدة المتزوجين على تقديس أنفسهم والآخرين. لهذا السبب، هم يتلقّون نعمةً خاصّةً في سرّ الزواج الذي أسّسه يسوع المسيح. أولئك الذين يدعوهم الله بنعمته إلى الزواج، سيجدون في حالتهم كمتزوجين كلّ ما يحتاجونه ليكونوا قدّسين وليتشبهوا كلّ يوم أكثر فأكثر بالمسيح وليقودوا مَن يعيشون معهم نحو الله.

لهذا السبب أنظر دائماً نظرة أملٍ ومودّةٍ إلى منازل المسيحيين ومنازل كلّ الأسر التي هي ثمرة سرّ الزواج. فهي شاهدٌ حقيقيٌّ للسرّ الإلهي المتجسّد باتحاد المسيح المحبّ بكنيسته، وهذا ما يدعوه القديس بولس بـ"السرّ العظيم" (أفسس 5، 32). لذلك، علينا أن نسعى جاهدين لكي تولد هذه الخلايا المسيحية وتنمو في رغبة القداسة، مدركةً حقيقة أنّ سرّ المعمودية يضفي على جميع المسيحيين دعوةً إلهيّةً يجدر بكلّ واحدٍ منّا إتمامها في حياته.

على الأزواج المسيحيين أن يعوا أنّهم مدعوّون إلى تقديس أنفسهم وتقديس الآخرين، وأنّهم مدعوّون إلى أن يكونوا رسلاً، وأنّ عملهم الرسوليّ الأوّل هو في المنزل. ينبغي أن يفهموا أنّ تأسيس أسرة وتربية الأبناء والتأثير المسيحي في المجتمع، هي مهام فائقة الطبيعة، وأنّ فاعلية حياتهم ونجاحها – وبذلك سعادتهم – تعتمد إلى حدٍّ كبيرٍعلى معرفتهم بمهمّتهم المحدّدة.

ولكن يجب ألا ينسوا أنّ سرّ السعادة الزوجيّة يكمن في أمور الحياة اليوميّة، لا في أحلام اليقظة؛ يكمن في إيجاد فرحة خفيّة عند العودة إلى المنزل في المساء؛ في علاقات محبّة مع أطفالهم؛ في العمل اليوميّ التي تتعاون به الأسرة بأكملها؛ في مواجهة الصعوبات التي ينبغي استقبالها بروحٍ رياضيّةٍ، بروحٍ من الفكاهة؛ في استخدامٍ أفضل للخدمات التي تقدّمها الحضارة لمساعدتنا على جعل البيت ممتعًا وجعل الحياة أكثر بساطة.

أقول باستمرار لأولئك الذين حصلوا على دعوةٍ من الله لتأسيس منزلٍ أن يحبّوا بعضهم بعضًا دائمًا، وأن يحبّوا بعضهم بحبّ شبابهم بـشكلٍ مستمرٍّ. فأيّ شخص يظنّ أنّ الحبّ ينتهي عند الهموم والصعوبات التي تجلبها الحياة، ليس لديه إلاّ فكرة فقيرة عن الزواج، الذي هو سرٌّ وتطلُّعٌ ودعوةٌ. ففي قلب تلك الصعوبات ينمو هذا الحبّ بقوةٍ، وسيولٌ من الهموم والمصاعب غير قادرة على إغراق الحبّ الحقيقي، لأن الناس الذين يضحّون بأنفسهم بسخاءٍ يقتربون من بعضهم البعض من خلال تضحياتهم. فكما يقول الكتاب المقدس "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها إن أعطى الانسان كل ثروة بيته بدل المحبة تحتقر احتقارًا" (نشيد الأناشيد 8: 7).

محادثات، 91

2. أبتي، ما هي نصيحتك للمتزوّجين حديثًا الذين يسعون إلى القداسة؟

أوّلاً، أحبّوا بعضكم بعضًا حبًّا كبيرًا وفق شريعة اللهّ. ثانيًا، لا تخافوا من الحياة؛ أحبّوا عيوب الطرف الآخر طالما أنّها لا تشكّل إساءةً إلى الله؛ وللزوجة أقول: لا تهملي مظهرك الخارجي، لأنّك ما عدت تنتمين إلى ذاتك بعد الآن! لقد قيل لك، وأنت تعرفين أنّ هذا صحيح، أنّك أصبحتِ تنتمين إلى زوجك، وأنه ينتمي إليك. لا تدعي أحدًا يسرقه منك! فهو نفسٌ عليها أن تذهب إلى الفردوس معك، وما هو أكثر من ذلك، عليه أن يعكس القيم المسيحيّة الحقيقيّة والقيم البشريّة للأطفال الذين يرسلهم الله لكما. صليّا معًا؛ ليس مطولاً، ولكن قليلاً كلّ يوم. وعندما تنسين ذلك، يذكّرك هو، وعندما ينسى، تذكيرينه أنتِ. لا تؤنّبيه عندما يخطئ بشيءٍ ما ولا تتذمري.

جامعة تابانكورا، شيلي، تموز 1974

3. إنّ النظرية التي تفيد بأنّ الحبّ يبرّر كلّ شيء هي نظريّة رائجة اليوم، ونتيجة لذلك، ينظر البعض لموضوع الخطوبة على أنّه نوعٌ من "الزواج التجريبي". فيقول الناس إنّه من النفاق والرجعية عدم اتباع ما يعتبرونه مطالب الحبّ الملحة. ما رأيك في هذا الموقف؟

إنّ أيّ شخصٍ مستقيمٍ محترمٍ، ولا سيّما المسيحيّ، سيرى أنّ هذا الموقف غير لائق بالرجال. فإنّه يعرّض الحبّ الانسانيّ للانحطاط، ويخلط بينه وبين الأنانيّة واللّذة.

الرجعيّة؟ ومن هم الرجعيّون؟ الرجعيّون الحقيقيّون هم الذين عادوا إلى الغابة، ولا يدركون أيّ دافعٍ لتصرّفاتهم إلا الغريزة. فعلى الخطوبة أن تكون الفترة التي ينمو في خلالها الحبّ ومعرفة الآخر بشكلٍ أفضل. وكما هو الحال في كلّ مدرسة حبّ، ينبغي أن تكون مستوحاة، لا من الرغبة في الأخذ، ولكن من روح العطاء والتفاهم والاحترام واللطف. ففي الواقع، لقد قدّمتُ إلى جامعة "نافارا" تمثالاً للعذارء مريم "أمّ الحبّ الجميل"، مفكرًّا بهذا الأمر بالذات، لكي يتعلّم منها الطلاب الذين يدرسون هناك الحبّ النبيل وكل ما يشمله الحبّ البشريّ.

زواجٌ تجريبيّ؟ كم أنّ الذين يستخدمون هذا التعبير لا يعرفون إلا القليل عن الحبّ! الحبّ الحقيقيّ أكثر رسوخًا، أكثر واقعيّةً، وأكثر إنسانيّةً. لا يمكن أن يعامل كسلعةٍ تجاريّةٍ يتم اختبارها وثمّ قبولها أو رفضها على أساس النزوة والراحة والفائدة.

إنّ الافتقار إلى المعايير الأخلاقية بلغ حدًّا يرثى له لدرجة أنّه لا يبدو حتى ضروريًّا إدانة الأشخاص الذين يفكرون أو يتصرفون بهذه الطريقة. فهم يحكمون على أنفسهم بالعقم والحزن والوحدة المقفرة التي سيعانون منها خلال سنوات قليلةٍ قادمةٍ. لا أتوقّف عن الصلاة من أجلهم ولا أكفّ عن حبّهم من كلّ قلبي ولا أملّ من السعي إلى التأكيد لهم أنّ طريق العودة إلى المسيح مفتوحٌ دائمًا. يمكنهم أن يكونوا قدّيسين، مسيحيّين مستقيمين، إذا بذلوا جهدًا؛ فلن يفتقروا إلى النعمة الضروريّة ولا إلى عفو ربّنا. وعندئذٍ فقط، سيفهمون حقًّا معنى الحبّ — الحبّ الإلهيّ، وكذلك حبّ الإنسان النبيل؛ وعندئذٍ فقط، سيختبرون السلام والسعادة والخصوبة.

محادثات، 105

4. بما تنصح النساء المتزوجات ليضمنّ السعادة الدائمة في زواجهنّ مع مرور السنين، ولكي لا تفسحن المجال للملل؟ قد لا يبدو هذا السؤال مهمًّا جدًّا، لكنّ كثيرون يطرحونه.

أعتقد أن هذا السؤال في الواقع مهمٌّ جدًّا، وبالتالي، إنّ إعطاء الحلول الممكنة مهمٌّ أيضًا، حتّى ولو يبدو الأمر واضحًا. فلكي يحافظ الزواج على سحره الأوّل وجماله، ينبغي أن يحاول كلّ من الزوج والزوجة تجديد حبّهما يومًا بعد يوم، وذلك عن طريق التضحية المقترنة بالابتسامة البارعة. فهل من المستغرب أن يفقد الزوج صبره عندما تسترسل زوجته في الحديث عن كلّ ما لم ينجح في خلال النهار، في حين يصل إلى المنزل مرهقًا من العمل؟ فيمكن انتظار وقتٍ مناسبٍ أكثر للتطرق إلى تلك الأمور المضنية، عندما يكون الزوج أقلّ تعبًا وأكثر استعدادًا للاستماع لها.

ومن المهمّ أيضًا الاعتناء بالمظهر الخارجيّ؛ وأيّ كاهنٍ يقول عكس ذلك هو مستشارٌ سيّئ. فمع مرور السنوات، على المرأة التي تعيش في هذا العالم أن تعتني أكثر بمظهرها وليس فقط بحياتها الداخلية. فحياتها الداخلية بحدّ ذاتها تتطلب منها الاهتمام بمظهرها، وبطبيعة الحال ينبغي أن يكون اهتمامها هذا متماشيًا مع عمرها وظروفها. وغالبًا ما أقول مازحًا أنّ واجهات المباني القديمة هي دائمًا الأكثر حاجة إلى ترميم. وهذه نصيحة كاهن؛ بحسب القول الإسباني: "المرأة المهندمة تُبقي زوجها بعيدًا عن الأبواب الأخرى".

لهذا السبب لا أخشى القول أنّ المرأة مسؤولة عن 80% من الخيانات، لأنّها لا تعرف كيفيّة الفوز بزوجها كلّ يومٍ وكيفيّة حبّه ورعايته. إذ ينبغي أن يكون الزوج والأولاد محطّ اهتمام المرأة المتزوجة كما تكون الزوجة والأولاد محطّ اهتمام الرجل المتزوج. وهذا الأمر يحتاج إلى مجهودٍ كبيرٍ للنجاح، ويجب رفض أيّ شيءٍ يعارضه.

لا يوجد أيّ عذرٍ لعدم الوفاء لهذا الواجب الأثير. فلا يمكن اعتبار العمل خارج المنزل بمثابة مبرّرٍ؛ ولا يمكن حتى لحياة التقوى أن تكون عذرًا لأنّها إذا ما كانت تتعارض مع الواجبات اليوميّة، تُعدّ سيّئة ولا ترضي الله. فيجب أن يكون شاغل الزوجة الأوّل منزلها. وفي السياق يأتي قول إسباني مأثور: "إذا في وقت الذهاب إلى الكنيسة للصلاة أحرقت المرأة الحساء، قد تكون نصف ملاكٍ، ولكنها حتمًا نصف شيطانٍ أيضًا". وقد أقول أنها كانت شيطانًا بالكامل .

محادثات، 107

5. إنّ الخلافات بين الزوج والزوجة متكررة وتؤثر أحيانًا بشكل جدّي على السلام في الأسرة. فما هي النصيحة التي تقدّمها للمتزوجين في هذا الصدد؟

أنصحهم أن يحبّوا بعضهم بعضًا، وأن يدركا أنّه، وعلى الرغم من الخلافات والصعوبات التي سيواجهانها بين الحين والآخر ولطوال حياتهما، سيساهم ذلك في تعميق حبّهما إذا ما قاموا بحلّها بحسّ التفهّم.

فلكلّ منّا شخصيّته وذوقه ومزاجه – وفي بعض الوقت مزاجه السيء – وسيئاته. ولكنّنا نتمتّع أيضًا بجوانبٍ جميلةٍ في شخصيّتنا، ولهذا السبب، بالإضافة لأسبابٍ عديدةٍ أخرى، يمكن للجميع أن يكون محبوبًا. فالعيش بفرحٍ سويًّا يصبح ميسّرًاعندما يسعى كلّ واحدٍ إلى تصحيح أخطائه الشخصيّة، وعندما يجتهد لتخطّي أخطاء الآخرين؛ أي عندما نمتلئ من حبٍّ قادرٍ على تخطّي كلّ ما يبدو عثرةً وسببًا للبرودة والخلاف. أمّا من جهّة أخرى، فإذا بالغ الزوجان بالتفتيش عمّا يفرّقهما وباتا يلقيان اللوم الواحد على الآخر بسبب أخطائه وعيوبه، يلغيان بذلك السلام بينهما ويخاطران بقتل حبّهما.

يتمتّع الزوجان بنعمةٍ أُعطت لهما في سرّ الزواج تسمح لهما بعيش كلّ الفضائل الإنسانيّة والمسيحيّة في إطار زواجهما: كالتفهّم والمزاج الجيّد والهدوء والتسامح وطرق التصرّف الجيّدة وأخذ علاقاتهما المتبادلة بعين الاعتبار. فلا يجوز التوقّف عن بذل الجهد والاستسلام للسخط وللفخر وللبدع الشخصيّة والهواجس. ولتحقيق ذلك، على الزوج والزوجة أن يطوّرا حياتهما الداخلية وأن يتعلّما أفضل الطرق لممارسة فضائل البيت المسيحيّ على مثال العائلة المقدسة، لأسبابٍ إنسانيّة وأخرى فائقة الطبيعة. أكرّر: إنّ نعمة الرب لن تنقصهما.

وأيّ شخصٍ يقول إنّه لا يستطيع تحمّل هذا أو ذاك أو يرى أنّه من المستحيل التوصّل إلى السلام، هو يبالغ بنيّة تبرير نفسه. ينبغي أن نطلب من الله القوة للتغلب على نزواتنا وممارسة ضبط النفس. فعندما نفقد السيطرة على مزاجنا، نفقد أيضًا السيطرة على الوضع. وحينها، تصبح الكلمات قاسية مريرة وينتهي الأمر بالإهانة والجرح والإيذاء، على الرغم من أنّنا لم نقصد ذلك.

يجب أن نتعلّم جميعًا الحفاظ على الهدوء، والانتظار لقول الأشياء بطريقةٍ إيجابيّةٍ ومتفائلةٍ. فحين يفقد الزوج أعصابه، يحين الوقت لتصبر الزوجة حتّى يهدأ زوجها، والعكس صحيح. فإذا كان الحبّ حقيقيًّا والرغبة في تعميقه حقيقيةً، يضحي من النادر جدًّا أن يغضب الإثنان معًا في نفس الوقت.

ومن المهم أيضًا أن نعتاد على حقيقة أنّنا لسنا دائمًا على حقّ أبدًا. ففي الواقع، يمكن القول إنّه في مسائل كهذه، وهي عادةً ما تكون قابلة للنقاش، كلّما اقتنعنا بأنّنا على ثوابٍ تام، كلّما قَلَّت فرصة أن نكون محقّين.

إذا اعتمدنا طريقة التفكير هذه، من السهل تصحيح الأخطاء الشخصيّة في وقتٍ لاحقٍ وطلب العفو، إذا ما كان ذلك ضروريًّا، لأنّ الاعتذار هو الطريق الأفضل لإنهاء المشاجرة واستعادة السلام وتوطيد الحبّ. وإنّني لا أريد التشجيع على الشجار ولكن، من المفهوم أن نتشاجر في بعض الأحيان مع الذين نحبّهم لأنّنا دائمًا معهم. فلن نتشاجر مع شخصٍ لا نعرفه من "تمبكتو"! ولهذا، إن الاختلافات الصغيرة بين الزوجين، وطالما أنّها ليست متواترة، لا تشكّل علامة ضعفٍ في الحبّ لا بل يمكنها أن تساعد على نموّه.

وأخيرًا، أنصح الوالدين ألا يتشاجرا أمام أطفالهما، فيلفت الواحد انتباه الآخر لهذا الموضوع بكلمةٍ أو نظرةٍ أو حركةٍ معيّنةٍ. وإذا تعذّر على الوالدين تجنّب النقاش، يمكنهما على الأقلّ تأجيله إلى وقتٍ لاحقٍ عندما يهدآ. على جوّ الأسرة أن يكون مليئًا بالسلام بين الزوجين لأنّ السلام شرطٌ ضروريٌّ لصقل الشخصية بعمقٍ وفعاليّةٍ. فينمو الأطفال ويترعرعوا بين أكناف الوالدين، رائين فيهما مثالاً للتفاني والحبّ الصادق والمساعدة المتبادلة والتفاهم. ولا ينبغي أن تخفي تفاهاتٌ صغيرةٌ من الحياة اليومية حقيقة الحبّ القادر على التغلب على جميع العقبات.

في بعض الأحيان، نبالغ بردّة فعلنا ونأخذ الأمور بجدّيةٍ كبيرةٍ. إلا أنّ كلّ واحدٍ منّا يغضب ويغتاظ بين الحين والآخر؛ وقد يبدو ذلك ضروريًّا. أمّا أحيانًا أخرى، فيعبّر الغضب عن الافتقار إلى روح الإماتة. لذا، من المهمّ أن نُظهر من خلال ابتسامتنا التي تعيد الدفء للعائلة، أنّ براكين الغضب لا يمكنها أن تهدم المودّة. وباختصار، يجب أن تكون حياة الزوج والزوجة عبارةً عن حبٍّ متبادلٍ بعضهم لبعضٍ ولأولادهما، لأنّهما يحبّان الله بهذه الطريقة.

محادثات، 108

6. يجد الكثير من الأزواج أنفسهم في حيرة في ما يتعلق بعدد الأطفال الذين يريدون إنجابهم. فبماذا تنصحهم؟

ينبغي أن يتذكّر المتزوّجون، عندما يتلقّون المشورة والتوصيات بشأن هذه المسألة، أنّ ما يتعيّن عليهم فعله هو اكتشاف ما يريده الله منهم. فإنّ ضمائرنا تعرف كيف تكتشف إرادة الله في هذا الإطار كما في أطرٍ أخرى، وذلك عندما نعيش بصدقٍ ونيّةٍ صادقةٍ بالإضافة إلى القليل من التنشئة المسيحيّة. وإنّه لصحيحٌ أنّنا ننقاد في بعض الأحيان وفق ما تمليه علينا أنانيّتنا التي تقمع بقوّتها الظاهرية صوت القناعات الداخلية. وحينها، نبدأ باللجوء إلى شخصٍ فآخر حتى نجد "العمل الخيّر" الذي يعطينا ما نريد. وطريقة التصرّف هذه تشبه تصرّف الفرّيسيّين المرائين ولا تليق بأبناء الله.

فإنّ نصائح المسيحي، وخصوصًا نصائح الكاهن، في ما يتعلّق بالإيمان والأخلاق، تشكّل مساعدةً قويّةً من أجل أن نعرف ما يريده الله لنا في ظروفنا الخاصة. ولكنّ النصيحة لا تلغي مسؤوليّتنا الشخصيّة على أيّ حال؛ ففي النهاية، على كلّ واحدٍ منّا، بقرارة نفسه، أن يقرّر ويقدّم حساب نتائج قراراته الشخصيّة لله.

وتجدر الإشارة إلى أنّ شريعة الله تقف فوق أيّ نصيحةٍ خاصّةٍ، ونجدها في الكتب المقدّسة وفي تعاليم الكنيسة المُلهَمة من الروح القدس. فعندما تتعارض نصيحةٌ ما مع كلمة الله التي تعلّمها الكنيسة، علينا رفضها بتصميمٍ، والله يعطي نعمته للذين يتصرّفون بنيّةٍ صادقةٍ، إذ أنّه يرشدهم إلى ما يستوجب فعله عندما يكون ذلك ضروريًّا، ويعطيهم فرصة إيجاد كاهنٍ قادرٍ على إرشاد روحهم إلى سبلٍ نقيّةٍ وقويمةٍ حتى ولو كانت مليئةً بالصعوبات أحيانًا.

فلا يجوز استخدام الإرشاد الروحي لتحويل الناس إلى كياناتٍ غير قادرة على اتخاذ قرارٍ، تَحدُّ نفسها بتطبيق ما يمليه عليها الآخرون؛ بل ينبغي على الإرشاد الروحي أن يسعى إلى تنشئة أفرادٍ ذوي معايير مسيحيّة تتطلّب نضوجًا وقناعاتٍ متينةً ومعرفة كافية للعقيدة، إلى جانب روحٍ مؤدّبة وإرادةٍ مصقولةٍ.

ومن المهمّ بالنسبة للمتزوّجين أن يعوا للكرامة التي تفرضها دعوتهم، إذ عليهم أن يدركوا أنّهم تلقّوا دعوةً من الله، ليس للحب البشريّ فحسب، بل أيضًا للحبّ الإلهيّ من خلال حبّهم البشريّ. ومن المهمّ بالنسبة إليهم أن يدركوا أنّهم اُختيروا منذ الأزل للمشاركة بعمل الله في الخلق من خلال إنجاب الأطفال. فالله يسألهم أن يجعلوا من منازلهم ومن حياتهم الأسرية، مثالاً لعيش الفضائل المسيحيّة.

ولا أسأم من التكرار أن الزواج هو طريقٌ إلهيٌّ رائعٌ، وككلّ الأمور الإلهيّة، يتطلّب النعمة والكرم وتكريس الوقت والتضحية. فالأنانيّة، أيًّا كان شكلها، تتناقض مع حبّ الله الذي يجدر به أن يغمر حياتنا، وهذا أمر أساسيٌّ يجب حمله دائمًا في فكرنا عندما يتعلق الأمر بالزواج وبعدد الأطفال.

محادثات، 93

7. تخشى بعض النساء من ردّات فعل صديقاتهنّ ومعارفهنّ عند إبلاغهم بأنهنّ ينتظرن طفلاً آخر. فهنّ خائفات من أن ينتقدهنّ الذين يعتقدون أنّ العائلات الكبيرة هي من الطراز القديم. ما الذي تقوله لنا حول هذا الموضوع؟

إنّي أبارك الأهل الذين يقبلون بفرحٍ المهمّة التي يكلّفهم الله بها والتي يكمن سرّها في الإنجاب غير المحدود. وإنّي أطلب من المتزوجين ألا يوصدوا الباب أمام نبع الحياة وأدعوهم إلى النظر إلى الأمور بنظرةٍ فائقة الطبيعة وبشجاعةٍ لبناء أسرةٍ كبيرةٍ، إذا كان ذلك يتوافق مع إرادة الله.

وعندما أشيد بالأسر الكبيرة، لا أعني تلك التي هي مجرّد ثمرةٍ للعلاقات الفيزيولوجية، بل إلى التي تُبنى على أساس الفضائل الإنسانية والتي ترفع عاليًا شأن الكرامة الشخصيّة وتعلم أنّ تقدمة الأطفال إلى الله ليست مسألة إنجابهم إلى الحياة فقط بل الاعتناء بتربيتهم أيضًا، وهي مهمّةٌ للمدى البعيد؛ فالإنجاب هو مهمّةٌ رئيسيّةٌ تأتي أوّلاً ولكنّها لا تنتهي هنا.

وقد تظهر بشكلٍ طبيعيّ، في بعض الحالات الخاصة، إرادة الله في أن تكون العائلة صغيرة. ولكن على أيّ حال، إنّ النظريّات التي تجعل من الحدّ من الولادات مثالاً يُقتدى به أو أمرًا متّبعًا عالميًّا أو واجبًا عامًّا، تُعتبر نظريّات إجراميّة ضدّ التعاليم المسيحيّة ودليلاً على الانحطاط البشريّ.

فالقول بأنّ روحانيّة ما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني تتعارض مع العائلات الكبيرة هو بمثابة تزييفٍ وانحرافٍ للعقيدة المسيحيّة. فالمجمع قد أعلن في دستوره الرعويّ “Gaudium et spes”، أنه يجدر التنويه من بين المتزوّجين بالذين يتمّمون المهمة الموكلة إليهم من الله، متقبّلين بكرمٍ واتفاقٍ متبادلٍ وعاقلٍ، عدد أكبر من الثمار بهدف تربيتهم بطريقة لائقة. وبالإضافة إلى ذلك، إنّ البابا بولس السادس قد علّق في رسالة وجهها في 12 شباط 1966 على هذا الموضوع قائلاً: "على المجمع الفاتيكاني الثاني الذي اختُتم للتو، أن ينشر بين المتزوّجين روح الكرم بهدف زيادة عدد شعب الله الجديد... وعليهم أن يتذكروا دائمًا أنّ توسّع ملكوت الله وإمكانية تغلغل الكنيسة في قلب البشرية بهدف الحصول على الخلاص الأبدي وخلاص العالم، هي أيضًا مهمّات موكلة إلى كرمهم".

ليس الرقم بحد ذاته العامل الأساسي للقرار. فواقع أن تتكون الأسرة من عددٍ كبيرٍ أو قليلٍ من الأطفال لا يجعل منها أكثر أو أقلّ مسيحية. فما يهمّ فعلاً هو النزاهة والأمانة التي يسعى الثنائي إلى عيشهما وسط الحياة الزوجية. ويتخطى الحبّ الحقيقيّ إتحاد الزوج والزوجة فيثمر ثماره الطبيعية أي الأطفال. أمّا الأنانية، فعلى عكس ذلك، سرعان ما تقلّص الحبّ إلى مجرّد وسيلة لإشباع الغرائز، وتدمّر الروابط التي توحّد الأهل بالأبناء.

كنت في صدد القول أنّ العدد بحدّ ذاته ليس عاملاً حاسمًا، ولكنّني أرى بوضوحٍ أنّ الهجوم على العائلات الكبيرة ينبع من قلّة الإيمان ويأتي نتيجة جوّ اجتماعي غير قادر على فهم معنى الكرم، جوّ يحاول التوفيق بين الأنانية وممارسات لا تُذكر، تحت راية دوافع الاهتمام بالآخرين. ويا للمفارقة! إنّ البلدان التي تكثر فيها الدعايات للحدّ من الإنجاب والتي تفرض تحديد النسل على بلدانٍ أخرى هي تلك التي مستويات العيش فيها أفضل من غيرها. فقد يتمّ أخذ حججهم الاقتصادية والاجتماعية التي تدعم تحديد النسل بعين الاعتبار بشكلٍ أكبر إذا ما دفعتهم لإعطاء جزء من ثروتهم الكبيرة لمن هم بحاجة إليها.

وحتى ذلك الحين، من الصعب ألا نفكّر بأنّ الدافع الحقيقي خلف هذه الحجج ليس سوى استسلامًا للعيش الترف وللمتعة وللرغبة بالسيطرة السياسية والاستعمار الديموغرافي.

وإنّي لست غافلاً عن المشاكل الكبيرة التي تواجه الإنسانية والصعوبات الحالية التي تواجهها العائلات، وغالباً ما يمتلئ قلبي بالشفقة عندما أفكر بها؛ قلبي الأبوي الذي يجدر بي أن أمتلكه كمسيحي وككاهن. ولكن بالرغم من ذلك، ليس قانونيًّا البحث عن الحلول في هذا الاتجاه.

محادثات، 94.

8. يؤدي الاحباط الناجم عن عدم القدرة على إنجاب الأطفال، في بعض الأحيان، إلى الخلافات وسوء الفهم. فبرأيك، ما المعنى الذي يمكن للمتزوجين المسيحيين الذين لم يُرزقوا بأطفال إعطاءه لحياتهم الزوجية؟

أقول لهم بدايةً أنّه لا يجب أن يفقدوا الأمل بسهولة. عليهم أن يسألوا الله أن يمنحهم نعمة الأطفال، إذا توافق ذلك مع إرادته، وأن يباركهم كما بارك آباءنا في العهد القديم. وبعدها، من الجيد أن يستشير الاثنان طبيبًا جيدًا. وإذا، على الرغم من كلّ شيء، لم يرزقهم الله أطفالاً، لا يجب أن ينظروا إلى أنفسهم نظرة إحباط، بل عليهم أن يكونوا سعداء وأن يكتشفوا في هذا الأمر إرادة الله لهم. فغالبًا ما لا يعطي الله بعض الأزواج الأطفال لكي يطلب منهم المزيد.

فالله يدعوهم إلى بذل المجهود نفسه وتكريس الذات نفسه في مساعدة الأشخاص المحيطين بهم، كما كانوا ليفعلوا في تربية أولادهم حتّى من دون أن يتمتعوا بالفرح البشري الناتج عن الإنجاب. فما من سبب إذًا ليشعروا بالفشل أو ليفسحوا المجال أمام الحزن.

وإذا كان للزوجان حياة داخلية، سيفهما أنّ الله يحثّهم على عيش حياة الخدمة المسيحية المعطاءة، وهو نوع مختلف من العمل الرسولي عن الذي كانوا ليقوموا به مع أبنائهم، ولكنه يعادله روعةً. فعندما ينظرون من حولهم، سيكتشفون حتمًا أشخاصًا بحاجة إلى مساعدتهم، إلى المحبة والحبّ، ويمكنهم أيضًا المشاركة في العمل في مهمّات رسولية عديدة. فبتقدمة ذاتهم بشكلٍ معطاءٍ إلى الآخرين وبنسيان الذات وبوضع قلوبهم في عملهم، يمكنهم أن يثمروا ثمارًا رائعة وأن يختبروا الأبوّة الروحية التي ستملأ روحهم بالسلام الحقيقي.

قد تختلف طريقة القيام بذلك تبعًا لكل حالة، ولكن في النهاية، يتعلق الأمر بالاهتمام بالآخرين بروح المحبّة والخدمة. فالله، الذي يكافئ دائمًا، سيملأ بالفرح العميق نفوس الذين بتواضعهم الكريم لم يفكروا بأنفسهم.

محادثات، 96

9. بعض الأزواج انفصلوا في ظروف مُهينة لا تُطاق، ومن الصعب، في هذه الحالات أن يقبلوا حقيقة عدم زوال رباط الزواج. فأولئك الذين يجدون أنفسهم في مثل هذه الحالة يتذمّرون رافضين فكرة حرمانهم من إمكانية بناء منزل جديد. ما هي الإجابة التي تمنحها لهم؟

أقول لهم، متفهمًا معاناتهم، أنهم يمكنهم أيضًا رؤية إرادة الله في حالتهم، وهي ليست إرادة شرّيرة بما أنّ الله أبٌ محبٌّ. وقد يكون الوضع صعبًافي بعض الأحيان بشكلٍ خاصٍ، ولكنّهم إذا توجّهوا إلى الله وإلى أمّه الطوباوية، ينالون مساعدة النعمة.

لا يشكّل عدم انحلال رباط الزواج نزوة كنسية وهو ليس مجرّد قانون وضعي كنسي، بل هو مبدأ من مبادئ القانون الطبيعي والقانون الإلهي ويتناسب تمامًا مع الطبيعة البشرية ومع المستوى الفائق الطبيعة للنعمة. لهذه الأسباب، يشكّل عدم انحلال الزواج في الغالبية الحالات، شرطًا لا غنى عنه لضمان سعادة المتزوجين ومنح الأمان الروحي لأطفالهم. وحتى في ظلّ هذه الحالات الحزينة التي نتحدث عنها، إن قبول إرادة الله بتواضعٍ يجلب دائمًا معه شعورًا عميقًا بالرضا، ولا يمكن أن يحلّ مكانه أيّ شيءٍ. فليس الأمر مجرّد ملجئ أو عزاء بل إنّه جوهر الحياة المسيحية.

وإذا كانت النساء المنفصلات عن أزواجهنّ تهتم بالأطفال، فعليهنّ أن يفهمن أنّ أبناءهنّ ما زالوا يحتاجون إلى حبّهم الأموميّ المخلص، ولا سيّما الآن، لكي يعوّض عن أوجه القصور الناتجة عن انقصام المنزل. عليهنّ أن يبذلن مجهودًا كبيرًا ليفهمن أنّ عدم زوال رابط الزواج، الذي يعتبر تضحية بالنسبة لهنّ في هذه الحالة، هو ضمانة لسلامة معظم العائلات ووحدتها، وهو ما يجعل من حبّ الأهل حبًّا نبيلاً يحمي الأطفال من التخلّي عنهم.

ولا تشكّل ردّة الفعل المتفاجئة على القصاوة الظاهريّة لمبدأ عدم زوال الزواج المسيحي أمرًا جديدًا. فالرسل أنفسهم تفاجأوا عندما أكّد يسوع ذلك. فقد يظهر الأمر على أنّه حملاً ثقيلاً، نيراً، ولكن المسيح نفسه قال: إنّ نيري طيّبٌ وحملي خفيفٌ.

من ناحيةٍ أخرى، على الرغم من الاعتراف بالمشقّة التي لا مفرّ منها في الكثير من الحالات، والتي غالبًا ما كان بالإمكان أو حتى من الواجب تجنبها، علينا أن نتنبّه لعدم تضخيم حجم الدراما. فهل حال هذه النساء في هذه الظروف أكثر سوءًا من حال النساء المعنفات أو من حال اللواتي يعانين مصائب أكبر، جسدية كانت أو عقلية، والتي تحملها الحياة معها؟

فما يجعل المرء حزينًا حقًا وما يحطم المجتمع بكامله، هو هذا السعي المحموم للرفاهية ومحاولة القضاء على المصاعب والمشقات بأيّ ثمنٍ من الأثمان. فللحياة أوجه عدّة، والحالات تختلف كثيرًا: بعضها صعب وبعضها الآخر يبدو أكثر سهولة. إلا أنّ كلّ حالةٍ تحمل معها نعمتها الخاصة، ولكلّ شخصٍ دعوةٌ خاصةٌ من الله وفرصةٌ جديدةٌ للعمل ولإعطاء شهادة محبّة إلهية. أنصح الذين يشعرون بالقمع نتيجة هذا الظرف الصعب أن يحاولوا أن ينسوا مشاكلهم الخاصة قليلاً ويشغلوا أنفسهم بمشاكل الآخرين. فحينها سيتمتّعون بسلامٍ أكبر، لا بل أكثر من ذلك، سيكونون في صدد تقديس أنفسهم.

محادثات، 97

10. لقد تحدثت للتوّ عن وحدة الأسرة باعتبارها قيمة كبيرة. في ضوء هذه الحقيقة، كيف تتحقّق هذه الوحدة في حين أنّ الـ"أوبس داي" لا تنظم أنشطة التنشئة الروحية للأزواج والزوجات معاً؟

على هذا الصعيد كما على أصعدة أخرى من الحياة، يختار المسيحيون حلولاً مختلفةً يفضلونها وتتوافق مع آرائهم، ولا يمكن لأحدٍ أن يفرض عليهم نظامًا معينًا. قد نفرّ كالطاعون إذا ما تمّت مقاربة العمل الرعوي والعمل الرسولي بهذه الطريقة، إذ تصبح نسخةً موسعة ومنقحة لنظام حزب ولكن مطبّقة على الحياة الدينية.

أعرف أن هناك مجموعات كاثوليكية تنظم الرياضات الروحية كما نشاطات تنشئية أخرى للأزواج، وليس لدي أيّ مشكلة تجاه ما يعتبرونه الأفضل ولا حتى تجاه الأشخاص الذين يشاركون بهذه النشاطات إذا وجدوا فيها ما يساعدهم على عيش دعوتهم المسيحية بشكلٍ أفضل. ولكنني لا أظن أنّ هذا هو الطريق الوحيد للقيام بالأمور ولا أعتبر ذلك بأيّ شكلٍ من الأشكال الطريقة الأفضل بديهيًا.

هناك أوجه عديدة للحياة المسيحية يمكن، بل يجب مشاطرتها بين مختلف أفراد الأسرة وداخل الحياة الزوجية، كالقداس وسائر أمور العبادة، ولكنني أعتقد أنّ هناك عددًا من الأنشطة الروحية الخاصة بالتنشئة التي تكون أكثر فعالية إذا ما شارك بها الزوج والزوجة بشكلٍ منفصلٍ. فهذا يظهر الميزة الشخصية الأساسية التي يتمتع بها طريق القداسة الفردي والصراع الباطني والاتحاد بالله من جهةٍ، إذ أنّ كلّ هذه الأمور تؤثّر حتمًا بالآخرين ولكن دور الضمير الشخصي هو أمرٌ حيويٌ لا يمكن استبداله. ومن جهة أخرى، إن هذا الفصل يسهّل دور التنشئة التي يجب أن تتناسب مع الحاجات الخاصة كما ومع ظروف ونفسيّة كلّ شخصٍ. ولكن هذا لا يعني أنّه لا يتم الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنّ هذا الشخص متزوّج. فأمرٌ كهذا هو خارج إطار روحانية الـ"أوبس داي" تمامًا.

ما برحت أعظ وأكتب، منذ 40 سنة، أنّ كلّ شخصٍ يجدر به تقديس نفسه في الحياة العادية، في الظروف المعيّنة اليومية، وبذلك، على المتزوجين أيضًا أن يقدّسوا أنفسهم من خلال عيش واجباتهم العائلية بكمالٍ. إنّ أحد أهداف الرياضات الروحية وسائر وسائل التنشئة المنظمّة من قبل الـ"أوبس داي" للمتزوجين والمتزوجات هي حثّهم لإدراك قيمة دعوتهم إلى الزواج بشكلٍ كاملٍ، ومساعدتهم على تحضير أنفسهم، بنعمة الله، لعيشها بطريقةٍ أفضل.

وتختلف متطلبات الحب الزوجي بين الرجل والمرأة في نواحٍ كثيرة، ويظهر حبّهما بطرقٍ مختلفةٍ. فمن خلال وسائل التنشئة الخاصة، يمكنهم أن يتلقوا المساعدة الفعّالة لاكتشاف تفاصيل الحبّ في حياتهم اليومية، وبهذه الطريقة، يكون الفصل لساعاتٍ قليلةٍ أو حتى لأيامٍ قليلةٍ، هو بهدف تعزيز إتحادهم ومساعدتهم، على المدى الطويل، على حبّ بعضهم البعض بشكلٍ أكبر وأفضل من قبل، بحبٍّ كلّه احترام.

أكرر أننا لا ندّعي أن طريقة تصرّفنا هي الطريقة الوحيدة الصالحة أو أنه يجدر بالجميع اتباعها، بل يبدو أنها ببساطة تقدّم التنائج الجيدة وأنّ هناك أسباب قوية وخبرة طويلة تدفع للقيام بالأمور على هذا النحو، ولكنني لا أتعارض مع الرأي المخالف.

بالإضافة إلى ذلك، صحيح أننا في الـ"أوبس داي" نتبع هذه الطريقة في بعض نواحي التنشئة الروحية، ومع ذلك، هناك أنشطة عديدة يشارك فيها الزوجين ويساهمان سويًا. على صعيد المثال، العمل الذي يتم القيام به مع أهالي التلاميذ في المدارس التي يديرها أعضاء الـ"أوبس داي"، واللقاءات والمحاضرات التي تجري على هذا الصعيد...إلخ، وخصوصًا تلك الأنشطة التي يُدعى إليها أهالي الطلاب الذين يعيشون في منازل الطلّاب التي يديرها أعضاء الحبريّة.

فإذًا، كما ترى، عندما يتطلب نشاطٌ ما حضور الزوج والزوجة كلاهما يشاركان، إلا أنّ هذه الأنشطة تختلف عن تلك المتعلق بالتدريب الروحي الشخصي.
محادثات، 99