زمن المجيء: الدعوة المسيحية

في 2 كانون الأول عام 1951، ألقى القديس خوسيماريا عظة عن زمن المجيء الذي تستعدّ فيه الكنيسة لعيد الميلاد المجيد، متأملًا بالدعوة المسيحية، وننقلها إليكم في ما يلي. (يمكن إيجاد هذه العظة في كتاب "عندما يمرّ المسيح").

تبدأ السّنة الطّقسيّة، مع فكرة يعرضها علينا نشيد بداية القدّاس: "يا ربّ عرّفني طرقك وسبلك علّمني"[1]، وهي على اتّصال وثيق بمبدأ حياتنا المسيحيّة: ألدّعوة الّتي تلقّيناها. إنّنا نسأل الرّبّ أن يقودنا، وأن يضعنا على طريقه، كي نستطيع أن نتوجّه نحو المحبّة، وهي كمال وصاياه[2].

عندما تفكّرون في الظّروف الّتي رافقت قراركم لتحيوا كلّيّاً إيمانكم، أعتقد أنّكم، ترفعون مثلي لله عميق الشّكر، وأنتم مقتنعون بصدق – بعيداً عن التّواضع المزيّف – أن ليس لكم في ذلك أيّ فضل. لقد تعلّمنا، عادة، الإبتهال إلى الله، من شفاه ذوينا المسيحيّين، منذ نعومة أظافرنا. وفيما بعد، كان معلّمون وأصحاب وأشخاص من محيطنا، قد ساعدونا، بطرق مختلفة، كيلا يغرب عن بالنا يسوع المسيح.

ذات يوم – لا أريد أن أتكلّم بتعابير عامّة: إفتح قلبك للرّبّ واروِ له قصّتك – ربّما صديق، مسيحيّ عاديّ مثلك، قد كشف لك مشهدًا هائلاً وحديثاً، مع كونه قديم قِدَمِ الإنجيل. وقد أوحى إليك أنّك تستطيع الإلتزام جدّيًّا في اتّباع المسيح، وتكون رسولاً لرسل. منذ ذلك الحين، فقدت السّكينة دون شكّ، إلى أن وجدتـها، من جديد، في حالة سلام عميق، عندما بحرّية ولأنّك تريد ذلك – وهو أمر أكثر من طبيعيّ – أجبت الرّبّ بـ "نعم". حينها جاءك الفرح قويًّا، ثابتًا، ولن تفقده إلاّ إذا ابتعدت عنه تعالى.

لا أحبّ التّحدّث عن أشخاص مختارين أو مُنْعَمٍ عليهم. فالمسيح هو المتكلّم، وهو الّذي يختار. هذا ما يقوله الكتاب، على حدّ قول القدّيس بولس: "لقد اختارنا منذ إنشاء العالم، لنكون قدّيسين"[3]. إنّي أعلم أنّ هذا لا يملأك كبرياء، ولا يحثّك على اعتبار نفسك متقَدِّماً بين الآخرين. فهذا الإختيار الّذي هو أساس النّداء، يجب أن يكون أيضًا أساس تواضعك. هل جرى أن أُقيمَ نصب لريشات رسّام كبير؟ حتّى ولو استُعملت في صنع تحف، فإنّ الفضل يعود إلى الفنّان. ونحن، المسيحيّين، نحن وسيلة بيد خالق العالم، وفادي البشر أجمعين.

الرُّسُلُ: أُنَاسٌ عَادِيُّونْ

هذا يحثّني على التّبصّر بحدث ينقله الإنجيل بالتّفصيل: ألا وهو دعوة الإثني عشر رسولاً الأوّلين. سوف نتأملها برويّة، طالبين إلى هؤلاء القدّيسين، شهود الرّبّ، أن يعلّمونا أن نتبع المسيح على مثالـهم.

كان الرّسل الأوائل – الّّذين أكنّ لـهم إكراماً عميقاً وعاطفة عارمة – إذا ما حكمنا بمعايير بشريّة، من عامّة الناس . فوضعهم الإجتماعيّ، إذا ما استثنينا متّى، الّذي كان يكسب رزقه بامتياز، والّذي ترك كلّ شيء، عندما طلب منه يسوع ذلك، كان وَضْعَ صيّادين يعتاشون يومًا فيومًا، يعانون التّعب ليلاً ليؤمّنوا معيشتهم.

غير أنّ وضعهم الإجتماعيّ لم يكن ذات شأن رفيع. فما كانوا مثقّفين، ولا حتّى فائقي الذّكاء، أقلّه فيما يعود إلى الحقائق الفائقة الطّبيعة. لذلك لم يفهموا الأمثال ولا التّشابيه الأكثر بساطة، وكانوا يلجأون إلى المعلّم: "يا ربّ، إشرح لنا هذا المثل"[4]. وعندما لمّح يسوع إلى خمير الفرّيسيّين، مستعينًا بصورة الخميرة، ظنّوا أنّه يوبّخهم لأنّهم لم يشتروا خبزًا![5]

وعلى كونـهم فقراء وجهلاء، لم يكونوا بسطاء أو مجرّدين عن العجب بالنّفس: وعلى الرّغم من محدوديّتهم، كانوا طموحين. كان يحدث لهم غالبًا أن يتناقشوا لمعرفة من قد يكون الأعظم عندما، وحسب نظرتـهم، سينشىء المسيح على الأرض مملكة إسرائيل نـهائيًّا. في حميميّة العليّة، قاعة العشاء السّرّيّ، راحوا يتشاجرون، محتدّين، في تلك اللّحظة الذّروة، حيث كان يسوع مزمعًا أن يضحّي بنفسه عن البشريّة[6].

إيمانـهم؟ كان على الأرجح ضعيفًا! ويسوع نفسه قال ذلك[7]. لقد رأوا الأموات يقومون، وشفاء كلّ الأمراض، وتكثير الخبز والسّمك، وتـهدئة العواصف، وطرد الشّياطين، وعلى الرّغم من ذلك، فالقدّيس بطرس، ألمختار ليكون رئيسًا، كان الوحيد الّذي عرف أن يجيب بسرعة: "أنت المسيح، إبن الله الحيّ"[8]. غير أنّه فسّر ذلك الإيمان على طريقته؛ لذلك سمح لنفسه بأن يعترض على يسوع، ممانعاً إيّاه من تقديم ذاته فداء عن البشر، وهذا ما دفع يسوع إلى إجابته: "إذهب خلفي يا شيطان: إنّك تعيقني، لأنّ أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار البشر"[9]. "كان بطرس يفكّر بشريًّا، على ما جاء في تفسير القدّيس يوحنّا فم الذّهب، وكان يرى أنّ كلّ ذلك – ألآلام والموت – لا يليقان بالمسيح، ويستحقّان الشّجب. لذا أجاب يسوع وقال له: كلاّ، فالألم ليس عارًا عليّ: إنّما أنت تحكم هكذا لأنّك تفكّر بأفكار جسديّة وبشريّة"[10].

ربّما كان هؤلاء الرّجال، ألقليلو الإيمان، يتميّزون بحبّهم للمسيح؟ بدون أدنى شكّ، إنّهم قد أحبّوه، أقلّه بالكلام. فأحيانًا كانوا يؤخذون بالحماس: "لنذهب ونمت معه"[11]. لكن، عند ساعة الحقيقة، هربوا كلّهم، ما عدا يوحنّا، الّذي قد أحبّه حقيقة، وعرف أن يثبت ذلك. وحده هذا الفتى ( المراهق اليافع )، أصغر الرّسل، بقي قرب الصّليب. أمّا الآخرون فلم يشعروا بـهذا الحبّ القويّ كالموت[12].

وقد كانوا التّلاميذ المختارين من قبل الرّبّ! هكذا اختارهم المسيح؛ وهكذا بدَوا قبل أن يمتلئوا من الرّوح القدس ويتحوّلوا إلى أعمدة للكنيسة[13]. أناس عاديّون، بعيوبـهم، وضعفهم، أسخياء بالكلام أكثر منه بالأعمال. رغم ذلك، لقد دعاهم يسوع ليجعل منهم صيّادي بشر[14]، مشاركين في الفداء، وموزّعي نعمة الله.

هذا بعض ما حدث معنا تقريبًا. فبدون أي جهد منّا، نستطيع أن نجد في عائلتنا، بين أصدقائنا وصحبنا، وذلك دون العودة إلى اتساع النّظرة الشّاملة للعالم، أشخاصاً عديدين أكثر استحقاقًا منّا لقبول دعوة المسيح: أناساً أكثر بساطة، وعلمًا، وتأثيرًا، وأهمّيّة، وأكثر كرماً وامتنانًا.

بالنّسبة لي، إنّي أخجل، عندما أفكّر بكلّ هذا. لكنّي في الوقت عينه أقدّر الحدّ الأقصى لمحدوديّة منطقنا البشريّ في شرح حقائق النّعمة. لقد اعتاد الله أن يبحث عن أدوات ضعيفة، ليظهر بوضوح وواقعيّة أنّ العمل هو عمله. وها هو القدّيس بولس يذكر بحياء دعوته: "وفي آخر الجميع، تراءى لي أيضًا، كما لِسِقْطٍ، أنا أصغر الرّسل، ومن لا أستحقّ أن أدعى رسولاً، لأنّي اضطهدت كنيسة الله"[15]. هذا ما كتبه شاوُل الطّرسوسيّ بشخصيّته واندفاعه، الّذي بالغت فيه القصّة.

ولـمّا كنّا غير مستحقّين، كما قلت لكم؛ في الواقع، في أساس دعوتنا، نجد أنّ معرفة بؤسنا، والوعي بأنّ تلك الأنوار الّتي تضيء نفسنا (الإيمان)، والحبّ الّذي به نحبّ (المحبّة)، والشّوق الّذي يسندنا (الرّجاء) كلّها عطايا من الله مجّانيّة. لذلك، فإنّ عدم النّموّ في التّواضع يعود إلى إضاعة هدف الإختيار الإلـهيّ: قداستنا الشّخصيّة.

والآن، إنطلاقًا من هذا التّواضع، نستطيع أن نفهم ما للنّداء الإلـهيّ من روعة. لقد أمسكتنا يد المسيح في حقل من القمح: يعصر الزّارع، في يده الجريحة، حفنة من الحَبّ. فيروي الدّم البذار، ويبلّله. ثم يلقي الزّارع هذا القمح، بذارًا، حتّى إذا مات، يُضحي حياة، وعند ولوجه في الأرض، يمكنه أن يتضاعف سنابل مذهّبة.

لقد حان أوان الإستيقاظ

إنّ رسالة القدّاس تذكّرنا بأنّه يجب علينا الإضطلاع بمسؤوليّة الرّسل هذه، بروح جديدة وشجاعة ويقظة: "لقد حانت السّاعة، للخروج من الرّقاد، لأنّ الحياة هي الآن أقرب إلينا ممّا كانت حين آمنّا. فاللّيل مضى، والنّهار دنا، فلنخلعنّ أعمال الظّلمة عنّا، ولنلبس سلاح النّور"[16].

سوف تقولون لي إنّ الأمر ليس سهلاً، ولستم على خطأ. فإنّ أعداء الإنسان، هم أعداء قداسته، لذلك يحاولون أن يعيقوا هذه الحياة الجديدة، ويمنعوها من أن تزدان بروح المسيح. وليس من تعداد أفضل، برأيي، للعقبات الّتي تواجه الأمانة المسيحيّة، من ذاك الّذي يذكره لنا القدّيس يوحنّا: "كلّ ما في العالم هو شهوة الجسد، وشهوة العين، وكبرياء العالم"[17].

إنّ شهوة الجسد عامّة لا تقتصر فقط على ميول الحواسّ الفاسدة، ولا على الشّهوة الجنسيّة، الّتي يجب أن تنظّم، والّتي ليست سيّئة بذاتـهـا، لأنّها حقيقة بشريّة شريفة، مقدِّسة . لذلك، لا أتكلّم أبدًا عن النّجاسة ، بل عن الطّهارة. فكلمات المسيح هذه تتوجّه إلى الجميع: "طوبى لأنقياء القلوب، فإنّهم يعاينون الله"[18]. تلبية لدعوة إلـهيّة، فإنّ البعض سوف يعيشون تلك الطّهارة في الزّواج، والبعض الآخر، بتخلّيهم عن الحبّ البشريّ، والاستجابة، فقط وبشغف، لحبّ الله. فلا هؤلاء ولا أولئك هم عبيد للملذّات الجسديّة؛ فهم يسودون على أجسادهم وعلى قلوبـهم، ليتمكّنوا من تقديمها إلى الآخرين، ببذل ذواتـهم من أجلهم.

لقد اعتدت، عندما أتحدّث عن فضيلة الطّهارة، أن أضيف صفة "المقدّسة". إنّ الطّهارة المسيحيّة، ألطّهارة المقدّسة، ليست الإفتخار بالشّعور بأنّنا "أطهار"، من دون لطخة، إنّما بالتّيقّن بأن أقدامنا هي من خزف[19]، حتّى ولو أنّ نعمة الله تحرّرنا يومًا بعد يوم من فخاخ العدو. وإنّي لأعتبر تشويهاً للمسيحيّة، إصرار البعض على الكتابة أو الوعظ، حصراً في هذا الموضوع، متناسين الفضائل الأخرى، الّتي تعدّ أساسيّة بالنّسبة للمسيحيّين، وبالعموم، للحياة في المجتمع.

إنّ الطّهارة المقدّسة ليست الوحيدة، ولا الفضيلة المسيحيّة الأساسيّة: إنّما هي، بالنّسبة لنا، ضروريّة، لنثابر في جهدنا اليوميّ بلوغاً للقداسة؛ وإذا لم نحافظ عليها، فليس لالتزامنا الرّسوليّ معنى. إنّ الطّهارة هي نتيجة الحبّ الّذي بواسطته وهبنا إلى الرّبّ نفوسنا وأجسادنا، ومواهبنا وحواسّنا. فهي ليست علامة سلبيّة، بل علامة إيجابيّة فرحة.

لقد قلت إنّ شهوة الجسد لا تقتصر فقط على فوضى في الملذّات الجسديّة، بل إنّها تشمل حبّ رغد العيش، وانعدام الحماسة ، اللّذين يجعلاننا نبحث عمّا هو أسهل، وألذّ، والطّريق الّذي يبدو الأقصر، فينتج عن ذلك تنازلات في إخلاصنا لله.

إنّ تصرّفًا كهذا يوازي استسلامنا، دون قيد أو شرط، إلى سيادة إحدى الشّرائع – شريعة الخطيئة – تلك الّتي يحذّرنا منها القدّيس بولس: "وهكذا أجد النّاموس يوافق ضميري الّذي يريد أن يفعل الخير، لأنّ الشّرّ قريب منّي. فأنا بإنساني الباطن أفرح بناموس الله. ولكنّي أرى في أعضائي ناموسًا آخر يقاوم ناموس ضميري، ويسبيني لناموس الخطيئة الّتي في أعضائي. فما أتعسني إنسانًا، من ينقذني من جسد الموت هذا؟"[20] أُصغوا إلى جواب الرّسول: "إنّها نعمة الله، بسيّدنا يسوع المسيح"[21]. إنّنا نستطيع، ويجب علينا، أن نصارع ضدّ شهوة الجسد، لأنّنا، إذا كنّا ودعاء، سوف نُمنح نعمة الرّبّ.

عدوّنا الآخر، على ما كتب القدّيس يوحنّا، هو شهوة العين؛ إنّه بخل جذريّ، يدفعنا إلى عدم إعطاء قيمة، إلاّ إلى ما يُلمس. فتبقى أعيننا ملتصقة بالأمور الأرضيّة، ومن هذا المنطلق، تكون غير قادرة على اكتشاف الحقائق الفائقة الطّبيعة. لـهذا السّبب، إنّنا نستطيع استعمال كلمات الكتاب المقدّس، لتكون لنا مرجعاً، ليس فقط بالنّظر إلى البخل في الخيور المادّيّة، إنّما بالنّظر إلى هذا التّشويه، القاضي، بألاّ نرى ما يحيط بنا – الآخرين، أحداث حياتنا وزمننا – إلاّ بنظرة بشريّة.

إنّ أعين نفسنا تتغشّى؛ ويُخيّل لعقلنا أنّه بمقدوره أن يفهم كلّ شيء، بقواه الذّاتيّة، دون الحاجة إلى الله. إنّها تجربة ذكيّة، تحتمي وراء كرامة هذا العقل الّذي وهبه الله أبونا للإنسان ليعرفه تعالى، ويحبّه بحرّيّة. مدفوعًا بتجربة كـهذه، يخلُص العقل البشريّ إلى اعتبار نفسه محوراً للكون، والإعتقاد، مرّة أخرى، بتلك المقولة "ستصيران آلـهة"[22]؛ وإذ يمتلئ من محبّة ذاته، ينتهي برفض محبّة الله.

وهكذا يستسلم وجودنا، كلّيًّا، إلى أيدي عدوّه الثّالث: كبرياء العالم. إنّه لا يتعلّق فقط بأفكار بسيطة بالتّبجّج وحبّ الذّات: إنّه بالأحرى تعجرف شامل. فلا ننغشنّ بذلك، لإنّه أقبح الشّرور، وأصل كلّ ضلالنا. وإنّ صراعنا ضدّ الكبرياء يجب أن يكون ثابتًا، إذ ليس عبثًا ما يُقال، بطريقة صُوَرِيًّةٍ، إنّ هذه الرّذيلة تموت بعد يوم من موتنا. إنّها عجرفة الفرّيسيّ، الّذي يرفض الرّبّ أن يبرّره، لأنّه تعالى يصطدم بحاجز من الإكتفاء. إنّها الغطرسة الّتي تودي بنا إلى احتقار الآخرين، والسّيطرة عليهم، وسوء معاملتهم: لأنّه "حيثما حلّت الكبرياء حلّ العار"[23].

رَحْمَةُ اللهِ

أليوم يبدأ زمن المجيء، ألزّمن الملائم لنفكّر بـهذه الأفخاخ الّتي ينصبها لنا أعداء نفسنا، وهي اضطرابات الفجور والخفّة؛ وجنون العقل عندما يقاوم الرّبّ؛ والإدّعاء المتعجرف، الّذي يمنع حبّ الله والخلائق. كلّ هذه الحالات النفسيّة هي عوائق أكيدة، وقدرتـها على الإزعاج كبيرة. لـهذا السّبب تجعلنا اللّيتورجيا نتوسّل إلى رحمة الله: "إليك يا ربِّ أرفع نفسي، إلـهي عليك توكّلت، فلا أخزَ، ولا يشمَت بي أعدائي"[24]. تلك هي الصّلاة الّتي رفعناها في نشيد الدّخول. وفي تسبحة "التّقدمة"، سوف نكرّر: "إنّ رجائي بك، يا ربّ، فلا تخذلني!"

ألآن وقد اقتربت برهة السّلام، فإنّه لمعزٍّ أن نسمع من فم القدّيس بولس أنّه "لمّا ظهر لطف الله محيينا، ورحمته، أحيانا هو، لا بأعمال برّ عملناها، ولكن بمراحمه"[25].

إذا ما تصفّحتم الكتاب المقدّس لاكتشفتم الحضور الدّائم لرحمة الله: "إنّها تملأ الأرض"[26]، وتشمل جميع أبنائها، "على كلّ ذي جسد"[27]، "فهي تحيط بنا"[28]، "وتسير أمامنا"[29]، "تتكاثر لتعضدنا"[30]، "وهي صادقة أبدًا"[31]. إنّ الله، الّذي يعتني بنا كأب محبّ، يذكرنا برحمته[32]: "رحمة صالحة[33]، جميلة كصورة مطر"[34].

إنّ يسوع يختصر ويحدّد كل قصّة الرّحمة الإلـهيّة هذه: "طوبى للرّحماء، فإنّهم يُرحمون"[35]. وفي مناسبة أخرى يقول: "كونوا رحماء، كما أنّ أباكم السّماويّ رحيم هو"[36]. كثيرة هي المشاهد في الإنجيل الّتي تبقى راسخة في ذاكرتنا: الرّأفة تجاه المرأة الزّانية؛ مثل الإبن الضّال؛ مثلا الخروف الضّال والمستدين المُسامَح؛ إقامة إبن أرملة نائين[37]. كم من المبرّرات العادلة لشرح هذا الحدث الخارق. إبن تلك المرأة المسكينة الوحيد قد مات، هو مَن كان يعطي معنى لحياتـها، هو من كان قادراً على مساعدتها في شيخوختها. لكنّ المسيح لا يجترح العجائب من قبل العدل، بل تعاطفًا، ولأنّه يتأثّر داخليًّا أمام الألم البشريّ.

أيّ شعور بالأمان يجب أن يولّده فينا تعاطف الرّبّ: "يدعوني فأستجيبه، لأنّي رحوم"[38]. هذه الدّعوة، وهذا الوعد، لن يتخلّى عنهما. "فلنتقدّم بوجه مسفر إلى عرش نعمته لننال المراحم، ونجد النّعمة في زمن الضّيق عونًا"[39]. إنّ أعداء تقديسنا لا يقدرون على شيء، لأنّ رحمة الله تحفظنا. وإذا ما سقطنا بخطأنا، وبضعفنا، يأتي الرّبّ لنجدتنا، وينهضنا: "لقد تعلّمت أن تتحاشى الإهمال، وتبعد عنك الغطرسة، وتمتلك التّقوى، وألاّ تكون سجين شؤون العالم، وألاً تفضّل الزّائل على الأبديّ. لكن، بما أنّ الضّعف البشريّ يمنع خطواتك من أن تكون ثابتة في هذا العالم، ذي الأرض الزّلقة، فقد أرشدك الطّبيب الصّالح إلى العلاجات ضدّ الضّلال، والقاضي الرّؤوف لم يحرمك من رجاء الغفران"[40].

الجَوَابُ الْبَشَرِيُّ

في هذا الجوّ من رحمة الله تجري حياة المسيحيّ. وفي هذا الإطار تتركّز جهوده ليتصرّف كابن للآب. فما هي الوسائل الأساسيّة الّتي تتيح للدّعوة أن تترسّخ؟ سوف أذكر لكم اليوم اثنتين، وهما تشكّلان مِحورين حيويّين في السّلوك المسيحيّ: حياة باطنيّة وتثقيفًا عقائديًّا – معرفة عميقة لإيماننا.

حياة باطنيّة، أوّلاً: قليلون هم الّذين يفهمون هذه الكلمة. عندما نسمع بحياة باطنيّة، يتبادر إلى ذهننا عتمة الهيكل، أو جوّ بعض السّكرستيّات الخانق. فمنذ أكثر من ربع قرن أقول بأنّ الأمر هو خلاف ذلك. إنّي أتكلّم عن الحياة الباطنيّة للمسيحيّين العاديّين، مَن نلتقيهم عادة في الشّارع، في الهواء الطّلق، والّذين، في الشّارع، والعمل، ومع عائلتهم، وفي مناسبات تسليتهم، يستمرّون، طوال النّهار، مصغين إلى يسوع المسيح. ما هذا، سوى حياة صلاة متواصلة؟ ألم تفهم أنّه ينبغي لك أن تكون نفسًا مصلّية، وذلك عبرحديث مع الله يفضي بك إلى التّشبّه به؟ هذا هو الإيمان المسيحيّ كما فهمته النّفوس المصلّية، دائمًا: "يصبح إلـهًا ذاك الّذي يريد الأمور ذاتـها الّتي يريدها الله"[41].

في البدء، سوف يكلّفك ذلك غالياً: إذ ينبغي القيام بجهد للعودة إلى الرّبّ، لشكره على عطفه الأبويّ نحونا في كلّ لحظة. لكن، شيئًا فشيئًا، سوف يغدو حبّ الرّبّ حنونًا – مع أنّ الأمر ليس مسألة عاطفيّة -، مثل بصمة في نفسنا. إنّه المسيح يلاحقنا بحنان: "إنّي واقف على الباب أقرع"[42]. كيف هي حياتك المصلّية؟ ألست تشعر بالحاجة، في النّهار، لمحادثته تعالى بـهدوء أكثر؟ ألست تقول له: سوف أخبرك بعد قليل، وأحدّثك عن هذا الأمر، قريبًا؟

في هذه اللّحظات الّتي نكرّسها خاصّة لمحادثة الرّبّ، قلبنا يتّسع، إرادتنا تتشدّد، وفكرنا بعون النّعمة، يُخصب الحقائق البشريّة بحقائق فائقة الطّبيعة. فتستخرج مقاصد واضحة، عمليّة، لتحسّن سلوكك، وتظهر تجاه جميع النّاس رقّة، مملوءة محبّة، وتتكرّس كلّيًّا، بعناد الرّياضيّين الأشدّاء، لـهذا النّضال المسيحيّ، القائم على الحبّ والسّلام.

فتغدو الصّلاة ثابتة، كخفقة القلب، أو دقّة النّبض. فلا حياة تأمّليّة بدون حضور الله، وبدون حياة تأمّليّة، لا نفع من العمل لأجل المسيح، لأن جهود الّذين يبنون هي غير نافعة إذا لم يدعم الرّبُّ المنـزلَ[43].

مِلْحُ الإِمَاتَةِ

إنّ المسيحيّ العاديّ - وهو ليس راهباً، ولم يترك العالم، لأنّ العالم هو مكان لقائه مع المسيح - لا يحتاج، كي يتقدّس، إلى لبَاس خاصّ أو إلى علامات مميّزة. فعلاماته هي داخليّة: حضور لله دائم ، وروح إماتة. في الحقيقة إنّهما يشكّلان واحدًا، لأنّ الإماتة ما هي إلاّ صلاة الحواسّ.

إنّ الدّعوة المسيحيّة تتكوّن من تضحية، وتوبة وتكفير. فعلينا أن نكفّر عن خطايانا - كم مرّة لم نُشِحْ بوجهنا كي لا نرى الله؟ - وعن كلّ خطايا البشر. علينا أن نتبع، عن قرب، خطى المسيح: "نحن حاملون كلّ حين في أجسادنا ميتة يسوع"، تضحية المسيح، ذلّه على الصّليب، "لتظهر أيضا حياة يسوع في أجسادنا"[44].

طريقنا هو طريق البذل، وإنّنا في هذا الإنكار للذّات نجدُ الفرح والسّلام.

لا نلقينّ على العالم نظرة حزن. لأنّ مؤرّخي سير حياة القدّيسين الّذين أرادوا، مهما كلّفهم الأمر، إكتشاف ظواهر خارقة عند خدّام الله، وذلك منذ أوائل محاولاتـهم ، قد أسدوا، دون قصد منهم، خدمة سيئة للتّعليم المسيحيّ. فيخبرون أن البعض منهم، عندما كانوا رضّعًا، لم يبكوا، وأنّهم، وتحقيقاً للإماتة،لم يرضعوا نـهار الجمعة... أنت وأنا وُلِدنا باكيَين، كما قرّر الله؛ ورضع كلُّ منّا صدر أمّه، دون أن نـهتمّ لزمن الصّيام أو "للأزمنة الطقسيّة الأربعة".

الآن، بعون الرّبّ، تعلّمنا اكتشاف زمن موافق للتّكفير، نتّخذ فيه مقاصد تحسّن حياتنا، وذلك عبر الأيّام الّتي تبدو دائما متشابـهة. هي ذي الدّرب الّتي تخوّلنا اقتبال نعمة وإلـهامات الرّوح القدس، في نفسنا. إنّما هذه النّعمة، وأقولـها مجدّدًا، يصحبها الفرح والسّلام والثّبات في الطّريق[45].

الإماتة هي ملح حياتنا. وأفضل الإماتات هي تلك الّتي تحارب شهوة الجسد، وشهوة العين، والكبرياء، معتمدة على تفاصيل صغيرة، خلال النّهار. إماتات، لا تقهر الآخرين، بل تجعلنا نحن أكثر لطافة، وتفهّمًا، وانفتاحًا على المجتمع. لن تميت ذاتك إذا كنت سريع التّأثّر، وإذا كنت لا تصغي إلاّ الى أنانيّتك، وإذا كنت تفرض نفسك على الآخرين، وإذا ما عرفت أن تحرم نفسك من الفائض، وحتّى من الضّروريّ أحيانًا، وإذا كنت تغتمّ إذا لم تسر الأمور كما توقّعتَ أنت؛ ففي المقابل، إنّك تميت نفسك إذا عرفت أن تكون "كلاّ للكلّ، لتربح الكلّ"[46].

الإِيْمَانُ وَالْعَقْلُ

إنّ حياة الصّلاة والتّوبة، والتأمّل ببنوّتنا الإلـهيّة، يجعلان منّا مسيحيّين أتقياء بعمق، شبيهين بأطفال صغار أمام الله. ألتّقوى هي فضيلة الأطفال، وكيما يستطيع الطّفل أن يرخي بنفسه بين ذراعَي أبيه، يجب أن يكون وأن يشعر بنفسه صغيراً، تابعاً. لقد تأمّلت غالبا حياة هذه الطّفولة الرّوحية؛ إنّها لا تتناقض مع قوّة النّفس، لأنّها تفرض إرادة حازمة، ونضوجا أكيدا، وطبعا ثابتا ومنفتحا.

فلنكن أتقياء إذًا كالأطفال، ولكن لا نكن جهلاء. فكلّ منّا عليه أن يجتهد، على قدر إمكاناته، في ترسيخ إيمانه بجدّيّة، وصرامة علميّة: هذا هو اللاّهوت. علينا أن نمزج بين تقوى الأطفال وعقيدة اللاّهوتيّين الوطيدة.

إنّ غَيرتنا لاكتساب هذا العلم اللاّهوتيّ، العقيدة المسيحيّة الصّحيحة والثاّبتة، تأتي أوّلا من الشّوق إلى معرفة وحبّ الله، ومن ثمّ من اهتمام كلّ نفس مخلصة بسَبْرِ المعنى الأعمق لـهذا العالم، ألّذي هو عمل الله. دوريًّا، يحاول البَعض، وبطريقة رتيبة، أن يُحيي تعارضًا، حسب زعمهم، بين الإيمان والعلم، بين العقل البشريّ والوحي الإلـهيّ. هذا التّعارض لا يمكن أن يكون إلاّ ظاهريًّا، ومردّه إلى معرفة ناقصة لمعطيات الموضوع الحقيقيّة.

بما أنّ العالم قد خرج من يد الله، وبما أنّ الله قد خلق الإنسان على صورته ومثاله[47]، وكان قد أعطاه أَلَقًا من نوره، فعلى عقلنا أن يلتزم، وإن كلّفه ذلك الجهد الجهيد، باستخراج المعنى الإلـهيّ الكامن طبيعيًّا في كلّ شيء، وعلى ضوء الإيمان، إستنباط المعنى الفائق الطّبيعة أيضًا، وهو المتأتّي من ارتقائنا إلى مستوى النّعمة. فليس لنا أن نخاف من العلم، لأنّ كلّ عمل، إذا كان حقًّا علميّاً، يطمح إلى الحقيقة. ويسوع قال: أنا الحقّ[48].

على المسيحيّ أن يعطش إلى المعرفة. وفي أيّامنا الحاضرة يمكن للعلوم الأكثر تجريداً أو الحذاقة المهنيّة،بل ينبغي لـها أن تؤدّي إلى الله. إذ ما من عمل بشريّ إلاً ويكون مقدِّسًا، أو مناسبة للتّقديس الشّخصيّ، أو يساهم، مع الله، بتقديس جميع المحيطين بنا. فلا يجب أن يلمع نور الّذين يتبعون يسوع المسيح في عمق وادٍ، بل على قمّة الجبل: "ليروا أعمالكم، ويمجّدوا أباكم الّذي في السّماوات"[49].

فالعمل بـهذه الطّريقة، هو صلاة. والتّبحّر في العلوم على هذا المنوال، والقيام بالأبحاث، هو صلاة؛ إذاً لن نخرج من هذه الحلقة؛ فكلّ شيء هو صلاة، ويمكن ويجب أن يوصلنا إلى الله، وأن يغذّي ذاك الحوار المتواصل معه تعالى، من الصّباح حتّى المساء. فإنّ كلّ عمل شريف يمكن أن يكون صلاة؛ وكلّ عمل، يُعتَبَرُ صلاة، هو رسالة. هكذا تتثبّت النّفس، في وحدة حياة بسيطة ومتينة.

رَجَاءُ زَمَنِ الْمَجيءِ

لن أضيف الكثير على ما قلته، في هذا الأحد الأوّل من زمن المجيء، حيث بدأنا بتعداد الأيّام الّتي تفصلنا عن ولادة المخلّص. لقد تأمّلنا في واقع دعوتنا المسيحيّة: فرأينا كيف أنّ السّيّد قد وثق بنا ليجذب النّفوس إلى القداسة، وليقرّبـها منه تعالى، وليضمّها إلى الكنيسة، فيبسط ملكوت الله على جميع القلوب. إنّ السّيّد يريدنا مكرّسين، أمناء، لطفاء ومحبّين. يريدنا قدّيسين، وخاصّته.

فتجد من جهة: ألكبرياء، ألشّهوة، ألسَّأم والأنانيّة؛ ومن جهة أخرى: ألحب، ألإندفاع، ألرّحمة، ألتّواضع، ألتّضحية والفرح. عليك بالإختيار. فقد دُعيت إلى حياة إيمان ورجاء ومحبّة. ولا يمكنك أن تطمح إلى أقلّ من ذلك، وتبقى وحيدًا وبائسًا.

لقد صدف لي يومًا أن رأيت نسرًا مسجونًا في قفص حديديّ: وكان قَذِرًا، ونصفه منتوف الرّيش وممسكًا بين مخالبه قطعة من جيفة. حينها، فكّرت بما قد يحصل لي إذا ما تخلّيت عن الدّعوة الّتي تلقّيتها من الله. لقد آلمني هذا الحيوان الوحيد، المسجون هكذا، هو المولود ليحلّق عاليًا في الفضاء، ويحدّق في قرص الشّمس. نحن باستطاعتنا أن نرتقي إلى قمم حبّ الله، المتواضعة، وخدمة جميع البشر. لكن، لكي يكون الأمر كذلك، لا يجب أن تبقى في نفسنا أيّة زاوية لا تدخلها شمس يسوع. علينا أن نبعد عنّا كلّ الإهتمامات الّتي تفصلنا عنه: ألمسيح في عقلك، ألمسيح على شفتيك، ألمسيح في قلبك، ألمسيح في أعمالك. حياتك كلّها - قلب وأفعال، عقل وكلام - تكون مليئة بالله.

"تشجّعوا وارفعوا الرّأس، لأنّ خلاصكم قريب"[50]، هذا ما قرأناه في الإنجيل. زمن المجيء هو زمن الرّجاء. إنّ النّظرة الشّاملة لدعوتنا المسيحيّة، ووحدة الحياة هذه، الّتي محورها حضور الله، أبينا، يمكنها ويجب أن تكون بالنّسبة لنا حقيقة يوميًّة.

أطلب ذلك معي من السّيّدة العذراء، متأمّلاً كيف عاشت هذه الأشهر بانتظار ابنها الّذي سوف يولد لـها، وهي ستعمل على أن تصبح أنت مسيحًا آخر، بل المسيح نفسه!


1. مز 24 : 4.

2. ر. متى 22 : 37 ؛ مر 12، 30 ؛ لو 10 : 27

3. أف 1 : 4

4. متى 13 : 36

5. ر. متى 16 : 6 – 7

6. ر. لو 22 : 24 – 27

7. ر. متى 14 : 31 ؛ 16 : 8 ؛ 17 : 17 ؛ 21 : 21

8. متى 16 : 16

9. متى 16 : 23

10. القدّيس يوحنّا فم الذّهب، “In Matthaeum homiliae”, 54 , 4 , (PG 58, 537)

11. يو 11 : 16

12. نش 8 : 6

13. ر. غل 2 : 19

14. متى 4 : 9

15. 1 قور 15 : 8 – 9

16. روم 13 : 11 – 12

17. 1 يو 2 : 16

18. متى 5 : 8

19. دا 2 : 33

20. روم 7 : 21 - 24

21. روم 7 : 25

22. تك 3 : 5

23. مثل 11 : 2

24. مز 24 : 1 - 3

25. طي 3 : 4 – 5

26. مز 32 : 5

27. سي 18 : 12

28. مز 31 : 10

29. مز 58 : 11

30. مز 35 : 8

31. مز 116 : 2

32. مز 24 : 7

33. مز 108 : 21

34. سي 35 : 26

35. متى 5 : 7

36. لو 6 : 36

37. لو 7 : 11 – 17

38. خر 22 : 27

39. عب 4 : 16

40. القدّيس امبروسيوس، “Expositio Evangelii secundum Lucam”, 7, (PL 15, 154)

41. إكليمنضوس الإسكندريّ، Pœdagogus", 3 , 1 , 1 , 5 (PG , 8 , 556)"

42. رؤ 3 : 20

43. ر. مز 126 : 1

44. 2 قور 4 : 10

45. Gaudium cum pace, emendationem vitae, spatium verae poenitentiae, gratiam et consolationem Sancti Spiritus, perseverantiam in bonis operibus, tribuat nobis omnipotens et misericors Dominus. )Amen.ألفرض الرومانيّ : صلاة تحضيريّة للقدّاس(.

46. 1 قور 9 : 22

47. تك 1 : 26

48. يو 14 : 6

49. متى 5 : 16

50. لو 21 : 28