رسالة الأب الحبري (15 كانون الأول 2025)

يشجّع الأب الحبري على عيش زمن الميلاد بالتأمّل في تواضع الطفل يسوع، واستقبال الجميع بقلب رحيم، والقيام بمبادرات ملموسة من المحبّة تجاه المحتاجين، كعلامة رجاء وسلام في العالم.

بناتي وأبنائي الأعزّاء، ليحفظكم يسوع لي!

بعد أيّام قليلة سنحتفل بعيد الميلاد: ميلاد المسيح، ابن الله، الذي اتّخذ إنسانيّتنا إلى أقصى حدودها، ما عدا الخطيئة. إنّ محبّة الله لنا عظيمة إلى حدّ أنّه شاء أن يصير طفلاً: ضعيفًا، بلا دفاع، محتاجًا إلى عناية مريم ويوسف.

هذا الطفل الذي نتأمّله في المذود سيقضي معظم حياته كواحد من الناس: في الجماعة اليهوديّة في مصر ثمّ في الناصرة، عائشًا مع أقاربه وأصدقائه، مشاركًا أفراح شعبه ومشقّاته، متعلّمًا وعاملًا في الورشة مع القدّيس يوسف.

إنّ مغارة بيت لحم تعكس بأمانة شموليّة الفداء: رعاة وملوك، على اختلافهم الظاهر، يجتمعون بدافع واحد هو السجود للمسيح. فالخلاص الذي يقدّمه لنا الربّ لا يقتصر على قلّة من المميّزين، بل هو موجّه إلى الجميع: رجالًا ونساءً، شبّانًا ومسنّين، من كلّ الأعراق والأصول. وفي عالمٍ شديد الحاجة إلى السلام — حيث تتوجّه قلوبنا اليوم إلى أماكن كثيرة تعصف بها الحروب وإلى بيوت عديدة مزّقتها الصراعات — نحن المسيحيّون مدعوّون إلى إعلان شموليّة الخلاص الذي يقدّمه يسوع.

في أيّام الميلاد، تتقابل فرحة الولادة العظيمة مع آلام الأطفال الأبرياء ومشقّات هروبٍ مفاجئ. وهكذا، منذ البداية، تتّسم رسالة يسوع بعلامة الصليب. وكان القدّيس خوسيماريا، حين تحدّث عن ضرورة الاتّحاد والتفهّم والمغفرة، يشير إلى موقف الربّ على الجلجلة: «صليب المسيح هو الصمت، والمغفرة، والصلاة كلّ واحدٍ من أجل الآخر، لكي يبلغ الجميع السلام» (درب الصليب، المحطّة الثامنة، رقم 3). وفي هذا الزمن المهيّأ للسلام، لِنسعَ ألّا تقوم أيّ حواجز بيننا وبين من يحيطون بنا. وإذا كانت إحدى علاقاتنا قد تضرّرت بسبب نزاع أو ضغينة، فلنطلبْ تواضع القلب لطلب الصفح أو لمنح الغفران، واضعين في الاعتبار أنّ الله هو الأوّل الذي لا يتردّد في أن يهبنا غفرانه عندما نقترب منه نادمين. وبنعمته، سيساعدنا على أن نصوغ قلبًا رحيمًا ومنفتحًا على الجميع، على مثال قلب ابنه.

وعندما نتأمّل العائلة المقدّسة في مغارة بيت لحم، تتبادر إلى أذهاننا أوضاع كثيرين ممّن، مثل مريم ويوسف، يفتقرون إلى الضروريّ للعناية بأبنائهم. لنتذكّر كلمات البابا لاون الرابع عشر في إرشاده الرسولي "لقد أحببتك": «لا يُنسى أيّ تعبير عن المودّة، ولو كان صغيرًا جدًّا، ولا سيّما إذا وُجّه إلى من يعيش الألم أو الوحدة أو الحاجة» (رقم 4). أشجّعكم في خلال زمن الميلاد على ألّا تخلو عائلاتكم من بعض المبادرات الملموسة للمودّة تجاه الأكثر احتياجًا، مع القدرة على رؤية يسوع نفسه، المولود في بيت لحم، في كلّ واحد منهم.

ليُجدّد الطفل يسوع فينا فضيلة الرجاء الذي لا يُخيب، ولتُعلّمنا العائلة المقدّسة أن ننظر إلى المستقبل بثقة هادئة لمن يعلم أنّه بين يدي الله.

أبوكم

Fernando Ocáriz

روما، في 15 كانون الأول 2025