عظة المونسنيور خافيير اتشيفاريا بمناسبة عيد القديس خوسيماريا

فلنتأمل كثيراً بهذه الحقيقة: أنا إبن الله، أنا ابنة الله، وأمام هذه الهبة، من المنطقي أن نسعى لإعطاء نفحة فوق طبيعية لكل ما نقوم به. القديس خوسيماريا كان يردد أن ما هو فوق الطبيعة، عندما يتعلق الأمر بالناس، هو في الواقع إنساني بشكل كامل. إذا توافقنا مع النعمة الإلهية، فنحن في ظروف تؤهلنا من أن نكون في حوال مع الله الآب، الله الإبن، والله الروح القدس، في مختلف الظروف والنشاطات.

إخوتي وأخواتي الأحباء

1. بمناسبة أعياد أخرى، كنا قد تحدثنا عن قراءات القداس الإحتفالي بعيد القديس خوسيماريا. اليوم، أتمنى أن نلقي انتباهنا على الرسالة التي نقلها لنا مؤسس "عمل الله": تقديس الحياة العادية، كما دعا إليه يسوع المسيح وكما يتجلى في مقطع سفر التكوين وفي رسالة القديس بولس لأهل روما وفي مقطع إنجيل اليوم.

إذا توقفنا على الفقرة الأخيرة من نص سفر التكوين الذي سمعناه: "واخذ الرب الاله ادم و وضعه في جنة عدن ليعملها و يحفظها (تك 2، 15). الدعوة للعمل كمكمّل للخلق، هي الدعوة الأصلية لكل امرأة ولكل رجل. لذلك إذاً، تمكن القديس خوسيماريا من التأكيد على أن "أي عمل محترم هو "وسيلة ضرورية يعطينا إياها الله على الأرض، ويطيل من خلالها أيامنا ويجعل منا مشاركين في قدرته الخلاّقة، لكي نكسب عيشنا وفي الوقت نفسه، "نجمع الثمار للحياة الأبدية"(يو 4،36).

بهذه الطرقة، دعانا لكي نكتشف من جديد الل، من لال الأعمال المهمّة كما في الأعمال والإنشغالات اليومية التي يمكنها أيضاً أن تتحول إلى أسس صلبة للقداسة.

هذا البعد الأصلي للعمل هو السبب العميق الذي يكمن خلف حق كل شخص بأن يكون لديه عملاً مهنياً يؤمن له معيشته وحاجات عائلته. للأسف، في الظروف الحالية، يعاني العديد من البلدان من مشكلة البطالة التي تسبب هموم وإزعاج لعدد لا يُقدّر من العائلات. فلنصلّي للمسؤولين المدنيين وللمسؤولين عن الحياة العامة، على كل الأصعدة، لكي يعثروا ويعرفوا كيف يضعوا موضع التنفيذ أفضل التدابير للخروج من الأزمة الحالية التي تقع فيها بلدانهم، مستنيرين بنور الحكمة الإلهية ومحترمين لكرامة الأشخاص وللخير العام. نضع هذه النية بين يدي الله بشفاعة القديس خوسيماريا، رسول القداسة من خلال العمل.

2. القراءة الثانية تذكرنا، من خلال كلمات القديس بولس، أن المسيحيين هم أبناء الله وموجهين من قبل الروح القدس. الرسول يخرج بنتيجة فورية من خلال هذا الأمر: "وأنتم لم تأخذوا روح العبوديّة لتعودوا إلى الخوف، بل أخذتم روح البنوّة الذي به نصرخ: أبّا! أيّها الآب!" (روما 8، 15).

بولس يرى أمامه مخاوف وهموم مجتمعه الذي كان يخضع لقوى متعددة، معظمها خبيثة، التي كانت من خصائص الوثنية القديمة. لهذا السبب، كما يفسر البابا بندكتس السادس عشر في إحدى منشوراته، كانت هذه الشعوب تعيش في ظل مخاوف كثيرة، رغم أن لديهم العديد من الآلهة، " ولكن آلهتهم – وفق ما يؤكد البابا- أثبتوا أنه مشكوك بأمرهم هذا بالإضافة إلى الميتولوجيا المتناقضة التي لم تكن تعكس أي نوع من الأمل. رغم وجود الآلهة، كانوا دون الله، لذلك، كانوا في عالم مظلم، أمام مستقبل مظلم أيضاً". على عكس ذلك، فإن المسيحيين، كأبناء لله، يعرفون أن لديهم مستقبل مشرق. "ليس أنهم يعرفون تفاصيل ما ينتظرهم – يتابع البابا- لكنهم يعرفون أن حياتهم، بشكل شامل، لا تنتهي بالفراغ. فقط عندما يكون المستقبل أكيد كحقيقة إيجابية، يصبح الواقع الحالي أيضاً كذلك".

فلنتأمل كثيراً بهذه الحقيقة: أنا إبن الله، أنا ابنة الله، وأمام هذه الهبة، من المنطقي أن نسعى لإعطاء نفحة فوق طبيعية لكل ما نقوم به. القديس خوسيماريا كان يردد أن ما هو فوق الطبيعة، عندما يتعلق الأمر بالناس، هو في الواقع إنساني بشكل كامل. إذا توافقنا مع النعمة الإلهية، فنحن في ظروف تؤهلنا من أن نكون في حوال مع الله الآب، الله الإبن، والله الروح القدس، في مختلف الظروف والنشاطات.

هذا الأمر الكبير والعجيب في إيماننا عليه أن يملأنا شجاعة، يا إخوتي وأخواتي الأحباء، لكي نواجه الصعاب التي ستمتثل أمامنا في حياتنا بثقة كبير بالله وبصفاء، ولكي نواجه أيضاً الصعاب المترتبة عن الأزمة الإقتصادية ونقص فرص العمل.

ونحن نعي ذلك، يمكننا أن نجعل من كلمات هذا المزمور كلمات تخرج منّا: "باركي الرب يا كل الشعوب"، كجواب على وعود الله التي يوجهها لنا هو: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك، وأقاصي الأرض ملكا لك" (مز 2، 8). ولكن يجب أن نسأل الله بإيمان ومثابرة أن يتم إيجاد حلول إيجابية لما سببه نقص العمل من آلام. متحدين بشدّة مع الإرادة الإلهية، التي تقود كل الأحداث نحو خير الذين يؤمنون به، يمكننا أن نردد: اعبدوا الرب بخوف، واهتفوا برعدة (...) طوبى لجميع المتكلين عليه (مز 2، 11-12).

3. مرّة جديدة نتأمل في الإنجيل معجزة صيد السمك الكبيرة. من وجهة النظر الإنسانية، إن أمر يسوع – ارموا شباككم في وضح النهار، بعد ليل غير مثمر- ظهر على أنه لا يجدي نفعاً وغير معقول. بالإضافة إلى ذلك، فإن بطرس والآخرين كانوا صيادي سمك وكانت هذه مهنتهم: يعرفون جيداً كيفية العمل والمناطق السريّة في بحيرة طبرية. ولكنهم أطاعوا: "لأجل كلمتك سألقي الشباك" (لو 5،5). ألا تجدون أن إيمان بطرس رائع؟ نحن أيضاً بحاجة للإيمان لكي نواجه تقلبات وجودنا، خصوصاً تلك التي تتطلب منا رداً كريماً على ما يريده الله منا.

بعد أشهر قليلة، في تشرين الأول، ستبدأ سنة الإيمان التي دعا إليها البابا، فكيف نتحضّر لذلك؟ هل نقوم بفعل إيمان قبل الإعتراف أو المناولة؟ هل نتحدث مع الله بإيمان في صلاتنا، أمام الواجبات المتعددة الخاصة بالحياة الممتلئة بالإنشغالات المهنية؟ هل نسعى لأن نقرّب الأشخاص الذين نحبهم من الله، أصدقاءنا، زملاءنا في العمل أو في الدراسة...؟ لا يجدر بنا أن ننسى – لأن هذا الأمر حقيقي- أن الله يريد أن يستخدم كل واحد منا لكي يتعرّف عليه الآخرين ولكي يتقربوا منه ويحبّوه.

أنظروا كيف أن الإيمان يفتح كل الأبواب على مصراعيها ويظهر آفاق كانت تبدو مغلقة. هذا ما نتعلمه من هذا المقطع من الإنجيل. بطاعته لما طلبه يسوع، رمى بطرس وزملائه الشباك: "ولما فعلوا ذلك – يقول القديس لوقا- أمسكوا سمكا كثيرا جدا، فصارت شبكتهم تتخرق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم. فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق (لو 5، 6-7)".

يا له من درس كبير بالإيمان والطاعة لله! يسوع المسيح يدعونا أيضاً لأن نتقدّس في كل الظروف العادية في الحياة ولأن نرمي شباك تبشيرنا في بحر هذا العالم.

فلنطلب من العذراء مريم، بشفاعة القديس خوسيماريا، أن يعرف كل واحد منا كيف يصغي إلى المسيح وأن يطبّق ما يسمعه – وأشدد على ذلك – لكي ينعكس هذا الصوت في مسامع عدد كبير من الأشخاص. بهذه الطريقة، على مثال الرسل، نصبح أتباعاً للمسيح وصيادي بشر في قلب إنشغالاتنا المعتادة.

ومن الطبيعي أيضاً أن نطلب من الله – كأبناء صالحين لخليفة بطرس- أن يساعد البابا والمطارنة والكهنة في مهمتهم الرعوية وأن يعرفوا كيف يعطوا حياتهم ليخدموا كل الأرواح. آمين.