سيمات "عمل الله"

قال القديس بولس للمسيحيين الأوائل:"هذه هي إرادة الله، أن تتقدسوا". هذه الرسالة هي إذا "قديمة كالإنجيل وجديدة كالإنجيل". الله ينادي كل من نال العماد إلى القداسة الكاملة.

ما هي سيمات روح "عمل الله"؟

قال القديس بولس للمسيحيين الأوائل:"هذه هي إرادة الله، أن تتقدسوا". هذه الرسالة هي إذا "قديمة كالإنجيل وجديدة كالإنجيل". الله ينادي كل من نال العماد إلى القداسة الكاملة.

البنوة الإلهية: معرفة أننا أبناء الله

"أن جميع البشر أبناء الله، لكن هناك عدة طرق ينظر بها كل ابن إلى أبيه. أما نحن فعلينا أن نكون أولادا يدركون أن الرب الذي أحبنا كأبنائه، قد أخذنا إلى بيته، في وسط العالم، لنصبح احد أفراد عائلته حتى يكون كل ما له لنا وما لنا له، ولكي تنمو الفتنا إليه وثقتنا به إلى درجة تصل الى أن نطلب منه، كما يفعل الأطفال تماما، أن يصطاد لنا القمر!"

المسيحيون هم أبناء الله بفضل سر المعمودية الذي ارتسموا به. وأبوة الله هي حقيقة كشفها لنا المسيح في الإنجيل، وهي جزء مهم من التعليم المسيحي العقائدي. وقد كانت مشيئة الله أن تنطبع هذه الحقيقة – كوننا في المسيح، كوننا أبناء الله- بصورة خاصة في نفس خوسيماريا في وقت محدد بالذات: "تعلمت وأنا صغير أن أدعو الله " الأب" في الصلاة الربية. لكن شعوري برغبة الله أن نكون أبنائه مصحوب برؤية هذه الرغبة حتى تصبح موضع إعجابي... فهذا شيء حصل لي وأنا في الشارع، عندما كنت جالسا في الترام. بقيت على هذا الحال لمدة ساعة أو ساعة ونصف، لا ادري بالضبط، لكنني لم أتمالك نفسي من الصراخ "يا أباه، الآب!"

المسيحي الذي يمر بأصعب ظروف حياته يدرك بطريقة خاصة جدا أنه ابن الله: "عندما أرسلني الله تلك الضربات في عام 1931، لم أفهم غرضها.... لكن في الوقت الذي كانت مرارة عظيمة تملئ حياتي، خطرت بذهني هذه الكلمات: أنت أبني، أنت المسيح. ولم يكن بوسعي إلا تمتمة: يا أباه، الأب! يا أباه، الأب! يا أباه، الأب! الآن أرى هذه الحقيقة في ضوء جديد، كأنه اكتشاف جديد، كما يرى المرء منا، بعد مرور سنوات عديدة، يد الله ويد الحكمة الإلهية، يد القادر كل شيء. لقد قدتني يا رب إلى فهم حقيقة أن ملاقاة الصليب هو العثور على السعادة والفرح. بإمكاني أن أرى سبب هذه الضربات بوضوح لا مثيل له: أن ملاقاة الصليب هو مماثلتنا للمسيح، أن نكون المسيح، أي ابنا الله." (أصدقاء الله، 150)

أن الشعور بالبنوة الإلهية تجعلنا نتصرف كأبناء الله، لأنها تنمي فينا الثقة بالعناية الإلهية والبساطة في حوارنا مع الله وتقدير أكبر لقيمة كل شخص والحاجة إلى المحبة الأخوية بين جميع الناس، محبة مسيحية حقة تجاه العالم وتجاه كل الحقائق البشرية التي خلقها الله، زد على ذلك شعور بالسكينة والتفاؤل .

نم قرير العين واسترح كوننا أبناء الله. فالله أب مملوء بالرقة والمحبة اللامتناهية. ادعه "أيها ألآب" عدة مرات خلال اليوم وقل له – لوحدك، وفي خوالج قلبك- بأنك تحبه وتسجد له، بأنك تشعر بالفخر والقوة لأنك ابنه. لكن هذا كله يتطلب منك برنامجا حقيقيا لتقود حياة باطنية بحاجة إلى توجيه عبر قنوات التقوى التي تربطك بالله. من خلال هذه القنوات (التي يجب أن تبقى محدودة لكن ثابتة) سيكون بإمكانك تنمية طبائع ابن صالح وعاداته." (المصهر، 149)

إذا أراد المسيحيون أن يعيشوا كأبناء الله ويحافظوا على رغبة تقديس أشغالهم اليومية، فعليهم " بالتردد المستمر إلى الأسرار وممارسة التأمل وفحص الضمير والقراءة الروحية والالتجاء إلى حماية أمنا العذراء والملاك الحارس..." ولكي يتحدوا اتحادا تاما بالمسيح، فعليهم السعي وراء تكفير خطاياهم والتشجع على تقديم التضحيات والإماتات، خصوصا تلك التي تساعدهم على تكملة واجباتهم بأمانة وتجعل حياة من يحيطهم أكثر بهجة. ومن بين التضحيات التي يقدمونها هي الصوم والصدقات والاستغناء عن الحاجات الصغيرة التي تؤدي إلى الانغماس في الذات. "أظهر روح الإماتة لديك من خلال لمسات المحبة الرقيقة، فيما تتوق نفسك إلى جعل طريق القداسة في وسط العالم طريقا يجذب الكل. فالابتسامة أحيانا أكبر دليل على روح الإماتة."

وحدة الحياة

"هناك حياة واحدة فقط، تتكون من الجسد والروح. وهذا الحياة بالذات عليها أن تصبح، في الروح كما في الجسد، مقدسة ومليئة بالله." (حب العالم بشغف، 52)

على الصداقة مع الله والأشغال اليومية والهمة الرسولية الشخصية للمسيحيين أن تنصب في "وحدة حياة تتسم بالبساطة والصلابة كليهما". وغالبا ما استعمل مؤسس Opus Dei "عمل الله" هذه العبارة التي هي خلاصة فهمه العميق للحياة المسيحية.

على المسيحيين، رجالا كانوا أم نساء، ممن يعيشون في وسط العالم، أن يتجنبوا قيادة "نوع من الحياة المزدوجة. فمن ناحية، هناك الحياة الباطنية وحياة الاتحاد بالله، ومن ناحية أخرى هناك حياة منفصلة ومختلفة هي الحياة العائلية والاجتماعية والمهنية." (حب العالم بشغف، 52) أو كما اعتاد مؤسس Opus Dei "عمل الله" أن يقول: "إذا حضرنا القداس حضورا جيدا، فمن المحتمل جدا أن نفتكر بالرب خلال بقية النهار، فيما تملؤنا رغبة العيش في حضوره، مستعدين لأن نشتغل كما اشتغل هو وأن نحب كما أحب هو." (عندما يمر المسيح، 154)

تقديس العمل

"من الأشياء التي ما انفككت عن تعليمها على مدار السنوات الأربعين الماضية، هي أن على المسيحي أن ينجز جميع المهن البشرية الشريفة، يدوية كانت أم فكرية، بأقصى درجات الكمال الممكنة: بكمال بشري "قدرة مهنية" وبكمال مسيحي "دافعها المحبة لمشيئة الله وإسداء خدمة للبشرية". والعمل البشري المنجز بهذه الطريقة، مهما كان متواضعا أو حقيرا في عيون الآخرين، يساعد على تصوير العالم تصويرا يتفق والطريقة المسيحية. فالبعد الإلهي في العالم يصبح أكثر مرئية وعملنا البشري يندمج بعمل الخليقة والخلاص. هكذا يرتفع عملنا إلى مستوى النعمة ويتقدس ليصبح عمل الله، Operatio Dei أو Opus Dei."( أحاديث،10 )

العمل "هو المشاركة في عمل الله ألخلائقي." فالنشاط الذي نقوم به في العالم قابل للتقديس والتحويل إلى درب للقداسة. "منذ اللحظة التي وضع فيها يسوع يده على العمل، أصبح العمل لنا واقعا خلاصيا وتخليصيا، فهو لا يشكل خلفية حياة الإنسان فحسب، بل هو وسيلة للقداسة وطريق نحوها- هو شيء يمكننا تقديسه وبإمكانه تقديسنا." (عندما يمر المسيح، 47). بإمكان أي عمل شريف مهما تصاعد مقامه أم انخفض، أن يكون مناسبة لتمجيد الله وخدمة الآخرين.

وكذلك "بإمكاننا مساعدة كل من نعمل معه جنبا إلى جنب من زملائنا وأصحابنا وأقربائنا ومن نشارك اهتماماته، على الاقتراب من المسيح." (أصدقاء المسيح، 264 ) ويأتي هذا كله بفضل مثلنا الشخصي، ومن ثم بكلامنا وباستعدادنا الفعلي للمساهمة في تلبية الحاجات المادية وحل المشاكل الاجتماعية في محيطنا."

في الحياة العادية

" أدركت منذ عام 1928 بأن الله يريد أن تكون حياة ربنا مثالا للمسيحيين. وقد رأيت هذا المثال بشكل خاص في ضوء علاقته بحياة ربنا الخفية والسنوات التي قضاها في العمل جنبا إلى جنب مع رجال عاديين. فالرب يريد أن يرى الكثير من الناس وهم يمارسون دعوتهم حيث يقضون سنواتها في حياة خفية وغير مثيرة." (عندما يمر المسيح، 20)

بمقدرة المسيحي العادي السعي إلى القداسة في وسط ظروف الحياة العادية ومن خلالها. "بإمكان الحياة العادية أن تكون مقدسة ومليئة بالله." فالمسيحي يمارس في حياته العادية جميع الفضائل كالإيمان والرجاء والمحبة بالإضافة إلى الفضائل الإنسانية كالسخاء والمثابرة والعدل والأمانة والفرح والصدق، وزد عدا. فبممارسة هذه الفضائل يقتدي المسيحي بالمسيح. "أن قيمة حياتنا الفائقة الطبيعة لا تعتمد على الانجازات العظيمة التي تقترحها علينا مخيلتنا المفرطة النشاط، لكنها تكمن بالأحرى في تقبل مشيئة الرب بإيمان وفي التقبل بسخاء للفرص التي تسنح لنا ممارسة تضحيات يومية صغيرة." (عندما يمر المسيح، 172)

أن الزواج والعائلة بالنسبة لأغلبية المسيحيين هما من الأشياء التي يجب بناء القداسة عليها وإضفاء الطابع المسيحي عليها. "الزواج في نظر المسيحي ليس مؤسسة اجتماعية بحتة ولا علاجا لضعفنا البشري، بل هو دعوة فائقة الطبيعة." (عندما يمر المسيح، 23)

شغف بالحرية

"من الواجب علينا الدفاع عن الحرية الشخصية لكل فرد، متيقنين من أن المسيح يسوع هو الذي كسب تلك الحرية لنا. فإذا فشلنا في إتباع هذا السلوك، فبأي حق نطالب بحريتنا؟ من الواجب علينا أيضا أن ننشر هذه الحقيقة لأن الحق يحررنا، لكن الجهل يستعبدنا." (أصدقاء المسيح، 171)

المسيحيون هم مواطنون عاديون يتمتعون بنفس الحقوق ويخضعون لنفس الواجبات كغيرهم من المواطنين. وبما أنهم يتصرفون بحرية، فهم يتفادون أي محاولة لجر الكنيسة أو Opus Dei "عمل الله" في نشاطاتهم الثقافية والمالية والسياسية أوعرض قراراتهم كأنها الحل الكاثوليكي الوحيد. "بصفتك مسيحيا، فأنك تتمتع بالحرية الكاملة، مصحوبة بالمسؤولية الشخصية النابعة منها كنتيجة منطقية، لتساهم كما تراه مناسبا في الشؤون السياسية والاجتماعية والثقافية بدون أي قيود خلا القيود التي وضعتها الكنيسة المعلمة." (أصدقاء المسيح، 11)

هذا يتضمن احترام حرية الآخرين وآرائهم، أو كما يوضح القديس خوسيماريا "أدافع بكل قوتي عن حرية الضمائر، التي تعني أنها ليست من شرعية أحد منع الإنسان من عبادة الله. فالعطش المشروع لمعرفة الحق يستحق كل احترام، إذ أن من واجبات الإنسان الهامة البحث عن الله ومعرفته وعبادته. وكما أنه ليس مسموحا لأي شخص على وجه الأرض أن يفرض على جاره ممارسة الأيمان الذي يفتقده، فكذلك ليس لأحد أن يدعي ملكيته لحق إيذاء كل من منحه الله نعمة الإيمان." (أصدقاء المسيح، 26)