ما هو الأسبوع العظيم؟

تسعى الكنيسة من خلال الصوم الكبير، وتحديداً من خلال الأسبوع العظيم أو أسبوع الآلام، إلى إيصال جماعة المؤمنين إلى القيامة مع المسيح الذي "مات لاجل الجميع" (2 كو 5/15). ويأتي هذا الأسبوع ليذكر المسيحيين بأنه للوصول إلى القيامة لا طريق إلاّ من خلال الصليب.

يستذكر الأسبوع العظيم آخر أيام الحياة الأرضية ليسوع بحسب ما وردت في الإنجيل المقدّس.

...

في مأساة الآلام تُهرَق حياتنا الخاصّة، وتاريخ البشريّة بأسرها. لا يمكن أن يُختصر الأسبوع المقدّس بذكرى بسيطة، لأنّه تأمّل في سرّ يسوع المسيح، الممتدّ إلى نفوسنا؛ فالمسيحيّ ملزم بأن يكون مسيحًا آخر، بل المسيح نفسه. فبالعماد، قد رُسِمنا كلّنا كهنة في عمق كياننا، "كيما تقرّبوا ذبائح روحيّة يقبلها الله عن يد يسوع المسيح" ، وكيما نحقّق كلّ أعمالنا بروح الطّاعة لإرادة الله، مخلّدين هكذا رسالة الله الصّائر إنساناً.
بخلاف ذلك، يُفضي بنا هذا الواقع إلى التّوقّف عند بؤسنا، وأخطائنا الشّخصيّة. هذه النّظرة لا يجب أن تحبطنا، ولا أن توصلنا إلى موقف الّذي تخلّى عن الحماسات الكبرى والمشكّك. لأن السّيّد يريدنا كما نحن، مشاركين بحياته، مجاهدين لنكون قدّيسين. القدّاسة: كم مرّة نتلفّظ بـهذه الكلمة، وكأنّ صداها الفراغ. بالنّسبة للكثيرين، إنّه حتّى هدف متعذّر بلوغه، موقع تقشّفيّ عامّ، وليس هدفًا ملموسًا، ولا حقيقة حيّة. لم يكن ذاك رأي المسيحيّين الأوّلين الّذين كانوا يعتبرون طبيعيّاً وغالبًا بعضهم بعضًا قدّيسين: "يسلّم عليكم جميع القدّيسين" ، سلّموا على كلّ واحد من القدّيسين في المسيح يسوع .
أمّا الآن فيما نحن أمام لحظة الجلجلة هذه، وبما أنّ يسوع قد مات ومجد انتصاره لم يظهر بعد، فنحن أمام مناسبة مؤاتية لفحص أشواقنا لحياة مسيحيّة، للقداسة، حتّى نقاوم نقائصنا عبر فعل إيمان، ونأخذ القصد بإدخال الحبّ في أعمالنا اليوميّة، واثقين بقدرة الله. فاختبار الخطيئة ينبغي أن يقودنا إلى الألم، إلى قرار أكثر نضجًا وأعمق لنكون مخلصين، لنتماثل فعليًّا بالمسيح، فنثابر مهما كلّف الأمر في هذه المهمّة الكهنوتيّة الّتي أوكلها إلى تلاميذه بدون استثناء، والّتي تحثّنا على أن نكون ملح ونور العالم .

“عندما يمر المسيح”، رقم 96

علامة الخلاص

دعونا ألا ننسى أنه في كل النشاطات الإنسانية يجب أن يكون هنالك رجال ونساء يرفعون، في عملهم وحياتهم، صليب المسيح فوق كل شيء، كفعل تعويض. إنه علامة للسلام والفرح، علامة للخلاص ووحدة الجنس البشري. إنه علامة حب الثالوث الأقدس للإنسانية، الله الآب، الله الإبن، والله الروح القدس، الذي ما زال مستمراً.
"كور الحدادة"، رقم 985.

لتفكير بموت المسيح

إنّ التّفكير بموت المسيح يُعبّر عنه بالدّعوة لوضع ذواتنا، بصراحة مطلقة، أمام واجبنا اليوميّ، فنحيا الإيمان الّذي نعلنه بجدّيّة. إذ لا يمكن أن يكون الأسبوع المقدّس فسحة مقدّسة، في إطار حياة تحرّكها حصراً المصالح البشريّة. بل ينبغي أن يكون مناسبة للدّخول في عمق حبّ الله، فنتمكّن من إظهار هذا الحبّ للنّاس، عبر كلامنا وأعمالنا .
لكنّ الرّبّ يحدّد شروطًا. وينقل إلينا القدّيس لوقا أحد إعلاناته، الّذي لا يمكن أن نتجاهله: "من أتى إليّ ولم يبغض أباه وأمّه وامرأته وبنيه وإخوته وأخواته، بل نفسه أيضًا، لا يستطيع أن يكون لي تلميذًا" . تلك كلمات قاسية. طبعًا لا فعل "كَرِهَ" ولا فعل "أَبْغَضَ" يعبّران جيّدًا عن فكرة يسوع الأساسيّة. لكن، على كلّ حال، فكلمات الرّبّ هذه كانت قويّة، لأنّها لا تقتصر أيضًا على "أَحبب أقل"، كما نفسّرها أحيانًا بطريقة مخفّفة، لتلطيف العبارة. إنّه مُروِع هذا التّعبير الجازم، لا لأنّه يتضمّن موقفًا سلبيًّا أو قاسيًا، علماً بأنّ يسوع المتكلّم الآن هو نفسه الّذي يأمر بمحبّة الآخرين كما نحبّ نفسنا، والّذي يضحّي بحياته من أجل البشر: فهذه العبارة تعني ببساطة أنّ أمام الله لا وجود لأنصاف الحلول. نستطيع ترجمة كلمات المسيح ب "أَحبب أكثر، أَحبب أفضل"، أو بألاّ نحبّ حبًّا أنانيًّا، ولا حبًّا لا يتبصّر بالعواقب ، علينا أن نحبّ على مثال حبّ الله.
هذا ما هو عليه الأمر. لنركّز انتباهنا على آخر متطلّبات يسوع: "حتّى حياته نفسها". ألحياة، ألنّفس ذاتـها، هذا ما يطلبه الرّب. فإذا كنّا معتدّين، أو غير مبالين إلاّ برفاهيّتنا الشّخصيّة، وإذا أضحت ذواتنا محاور لوجود الآخرين والعالم، فلا يحقّ لنا لا أن نُدعى مسيحيّين، ولا أن نعتبر أنفسنا تلاميذاً للمسيح. إذ ينبغي أن نبذل ذواتنا بالعمل والحقّ، لا بالكلام وحسب . فإنّ حبّ الله يدعونا إلى حمل الصّليب عاليًا، وإلى الشّعور بثقل البشريّة كلّها، ونتمّم تصاميم إرادة الآب الصّريحة والمحبّة في آن، في الظّروف الخاصّة بحالة وعمل كلّ فرد. في المقطع الّذي نعلّق عليه، يتابع يسوع: "من لم يحمِل صليبه ويتبعني، لا يستطيع أن يكون لي تلميذًا" .
لنقبلنّ بلا خوف مشيئة الله، ولنأخذنّ بلا تردّد، القصد ببناء حياتنا كلّها بما يتطابق مع تعليم ومتطلّبات إيماننا. ولنكن واثقين أنّنا سوف نجد في ذلك المقاومة، والألم والعذاب ؛ لكن، إذا ما سلكنا بموجب الإيمان حقًّا، لن نكون تعساء مطلقًا. حتّى في الحزن، والوشايات، سوف نكون سعداء، وتلك السّعادة تدفعنا إلى حبّ الآخرين، لنشركهم في فرحنا الفائق الطبيعة.

"عندما يمر المسيح"، رقم 97.