تجديد الإقامة للبقاء في لبنان

عَلى الرُغمِ مِنْ إِقامَتِي في لُبنان مُنذُ زَمَنٍ طَوِيل، فَخِلالَ السَنتَينِ الأَخِيرَتَينِ غَدا تَجدِيدُ تَصرِيحِ إِقامَتي السَنَوِيَّة صَعباً واستَغرَقَ وَقتاً طَوِيلاً.

لقَد أَمضَيتُ هذه السنة ثَلاثَةَ أَشهُرٍ في إِجراءِ المُعامَلاتِ الخاصَّة بِذَلِكَ بُغيَةَ الحُصُول عَلَى ذَلِكَ التَصرِيحِ وَذَلِكَ يَومِياً وَلَكِن دُونَ جَدوَى، وَهَذا عائِدٌ إِلَى أَسبابٍ عَدِيدَة. وَآخِرُ إِشعارٍ مُمكِنٍ لِتَقدِيمِ الطَلَب كانَ فِي 24 كانُون الأَوَّل، عَشِيَّةَ عِيدِ المِيلاد.

في هَذا اليَوم تَوَجَّهتُ إِلَى مَقَرِّ الأَمنِ العام قَبلَ مَوعِدِ الإِستِقبال، وَأَنا مُستَعِدٌّ لِقُبُولِ أَيِّ احتِمال. تَخَطَّيتُ المَراحِلِ الأُولَى الرُوتِينِيَّة دُونَ عَقَباتٍ، حَتَّى وَصَلتُ إِلَى المَكتَبِ حَيثُ قِيلَ لِي في المَرَّاتِ الأَربَعَة السابِقَة بِأَنَّ تَصرِيحِي لَمْ يَكُن قَدْ صُدِّقَ بَعد، وَأَنَّهُ يَنبَغِي أَنْ أَعُودَ لاحِقاً. وَلَكِنْ في هَذِهِ المَرَّة، وَبَعدَ أَنِ انتَظَرتُ طَوِيلاً، كانَ الجَوابُ بِنِعمَةِ الله إِيجابِياً، وَلَو كانَ كُلُّ شَيءٍ بِحَسَبِ الأُصُولِ المَرعِيَّة لَكانَ بِإِمكانِي الحُصُول عَلَى التَصرِيحِ في هَذا اليَومِ عَينِهِ.

وَبَدَأتِ "الحَفلَةُ الرِياضِيَّة"، مِنْ مَكتَبٍ إِلَى آخَر، دُونَ أَنْ أَفهَمَ كَثِيراً لأَنَّـهُم كانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّة، فَتَبِعتُ الإِجراءَاتِ المَرعِيَّة حَتَّى قالَ لِي أَحَدُ رِجالِ الأَمنِ: "إِنتَظِر هُنا، وَلا تَتَحَرَّك، إِلى أَنْ أَعُود". وَاختَفَى. نِصفَ ساعَةٍ، ساعَة! لا جَدِيد. بِالطَبعِ قَلِقتُ، وَحِينَها قَرَّرتُ أَنْ أَبدَأَ بِتِساعِيَّةٍ للقديس خوسيماريا لِكَي يَعُودَ رَجُلُ الأَمنِ وَيَظهَرَ مِنْ جَدِيد مَعَ مَلَفِّي. وَإِنِّي أُقِرُّ بِأَنَّ غالِبِيَّةَ الصلوات الَّتي بَدَأتُها بَقِيَتْ ناقِصَة، فَهُنا كانَ يُوجَدُ مِئاتُ الأَشخاصِ، دُونَ مُبالَغَة، غَالِبِيَّتُهُم سُورِيُّون، الَّذِينَ، وَمَعَ مَعرِفَتِنا لِوَضعِهِم وَما تَنقُلُهُ وُجوهُهُم، كانُوا يَتَأَلَّمُونَ مِنْ ظُلمِ الحَربِ في بِلادِهِم، وَمِنْ أَزَماتِ التَهجِيرِ القَسرِي، وَمِنَ القَلَقِ عَلَى المُستَقبَل ... وَكُلُّ ذَلِكَ، لِيلَةَ المِيلاد.

كُنتُ أتلو الصلاة التاسعة للقديسة خوسيماريا، عِندَما عادَ رَجُلُ الأَمنِ وَظَهَرَ، مُحَمَّلاً أَوراقاً كَثِيرَة. وَكُنتُ قَدْ قُلتُ فِي نَفسِي سَوفَ أُتابِعُ الصَلَواتِ أَبِينا، وَلَكِنْ أَوَّلاً مِنْ أَجلِ كُلِّ الأَشخاصِ المُحِيطِينَ بِي، وَمِنْ ثُمَّ لِكَيِ أَحصَلَ عَلَى تَصرِيحِي الشَهِير.

عِندَها قِيلَ لِي أَنَّهُ يَجِبْ أَنْ يَأتي رَئِيسُ الشَرِكُة حَيثُ أَعمَل لِيُوَقِّعَ المَلَف. غَيرُ مُمكِنٍ! لَمْ تَكُنْ لَدَيَّ الجَرأَةَ لِلإِتِّصالِ بِهِ صَباحَ الرابِعِ وَالعِشرِين مِنْ كانُون الأَوَّل. وَتِلكَ هِيَ المَرَّةُ الأُولَى الَّتِي فِيها يَطلُبُونَ أَنْ يَأتِي هُوَ شَخصِيّاً. وَهَذا غَيرُ وَارِدٍ! وَجَوابُ المُوَظَّفِ كانَ قاطِعاً: "إِذاً لا تَصرِيحَ لَكَ". لكنني تابَعتُ الصَلاةَ، وَتَشَجَّعتُ، وَاتَّصَلتُ بِرَئِيسِ الشَرِكَة. بِالطَبعِ أَزعَجَهُ طَلَبِي كَثِيراً، وَلَكِنه قَبِلَ أَنْ يُبَدِّلَ بَرنامَجَهُ لِكَي يَأتِي لِنَجدَتي. وَأَنا كُنتُ مُعجَباً حَقّاً بِسَخائِهِ.

وَبِمُساعَدَتِهِ إِستَطَعنا أَنْ نُكَمِّلِ سائِرَ الإِجراءَاتِ، وَبَعدَ خَمسِ ساعاتٍ خَرَجنا وَبِيَدِنا تَصرِيحُ إِقامَتِي لِسَنَةٍ إِضافِيَّة في لُبنان: وَعِندَ خُروجِنا قالَ لِي مديري: "هَلْ تَعلَم بِماذا كُنتُ أُفَكِّرُ وَنَحنُ نُتابِعُ تِلكَ الإِجراءَات؟ هَكَذا وَفِي هَذِهِ اللَّحَظاتِ وَفي مَكانٍ قَرِيبٍ مِنْ هُنا، وَنَحنُ نَمُرُّ مِنْ مَكتَبٍ إِلَى آخَر وَسطَ هَذا الضَجِيجَ ها هِيَ مَريَم وَيُوسُف يَمُرَّانِ مِنْ نَزلٍ إِلَى آخَر باحِثَينِ عَنْ مَكانٍ يَلِيقُ بِالطِفلِ الَّذي سَوفَ يُولَد. غَيرَ أَنَّ الفَرقَ بَينِ الإِثنَينِ هُوَ أَنّنا نَحنُ قَدْ حَصَلنا عَلَى ما بَحَثنا عَنهُ أَمَّا هُما فَقَد رُفِضا مِنْ قِبَلِ الجَمِيع".

وَإِنِّي أَشكُرُ القديس خوسيماريا عَلَى شَفاعَتِهِ بَعدَ أَنِ استَطَعتُ أَنْ أُجَدِّدَ تَصرِيحَ إِقامَتي. وَإِنِّي أَشكُرُهُ بِنَوعٍ خاص لأَنَّهُ منَحَنَي فُرصَةَ أَنْ أُصَلِّي عَنْ قُربٍ مِنْ أَجلِ أَشخاصٍ يَتَأَلَّمُونَ، وَأَنْ أَكُونَ مُحاطاً بِسَخاءِ رَئِيسِ الشركة التي أعمل فيها، الذي سَاعَدَني لِكَي أَحيا هَذا المِيلاد واضِعاً إِيَّاي داخِلَ مَشهَدِ بَيتَ لَحم.

إ. ب

بيروت، 2 كانون الثاني 2017