رسالة الأب الحبري (4 حزيران 2017)

يقترح المونسنيور فرناندو أوكاريز في هذه الرسالة بعض النقاط التي يمكن اتّباعها لحماية العائلة لأنّها المكان الذي يولد فيه الحبّ.

أولادي الأحبّة، ليحفظكم يسوع لي!

منذ سنواتٍ عدّة والعائلة تحتلّ منزلةً مميزةً ضمن أولويات الكنيسة، وبالتالي، ضمن أولويات الحبرية أيضًا، بحسب ما ذكّر المؤتمر العام الأخير[1]. ولذلك، أردتُ التوقّف في سياق هذه الأسطر التالية، مرّة جديدة وبإيجاز، عند هذا العمل الرسولي الطارئ والضروري.

إنّه لمن الواضح أنّ الكثير من الناس يجدون في حقيقة عمل تدبير الله لاتّحاد الرجل والمرأة مجرّدَ خَيار، حتّى أنّهم يضعونه في خانة المفهوم القديم الطراز. وعلى الرغم من ذلك، يجدر بنا أن نمتلئ بالرجاء: فإنّ الله هو من كتب في قلب الإنسان نور الحقيقة حول العائلة، ولذلك، فإنّها قد شقّت وستشقّ دائمًا طريقًا لها في وسط العواصف.

تجتهد كلّ عائلة اجتهادًا فرحًا لتسير متّحدةً، فتُعيد تسليم "إدارة العالم مجدّدًا إلى العهد الذي يجمع الرجل والمرأة بالله"[2]. وعند التفكير بهذا الواقع، أتذكّر كلمات القديس خوسيماريا: " إنّ مهمّة المسيحي هي إغراق الشرّ بفيض الخير. لا يتعلّق الأمر بحملاتٍ سلبية، ولا بأن نكون ضدّ أيّ شيء، بل على العكس: يجب أن نعيش بإيجابية، ممتلئين بالتفاؤل، بصِبا وفرح وسلام. يجب أن نتفهّم الجميع: أولئك الذين يتبعون المسيح والذين يتخلّون عنه أو لا يعرفونه. -ولكن التفهّم لا يعني العدول أو عدم المبالاة، إنما هو تفهّم نشيط فعّال"[3]. لا نفقدنّ الصفاء والقوّة عبر التذمّر بوجه الصعوبات التي تواجهها عائلات كثيرة والتي تعاني منها المؤسسة العائلية بحدّ ذاتها. فلْنسعَ لحماية العائلة المسيحيّة ودعمها بقوّة وبمهنية. وهذا الأمر لا يتعلّق بنا فقط، بل إنّه أيضًا لله وللأجيال الآتية والتي ستأتي في ما بعد.

إنّ العائلة والزواج هما طريق للقداسة: "أتَضحك لأنّي أقول لك أنّ لديك "الدعوة للزواج"؟ -في الواقع، إنّها كذلك: إنّها لدعوة"[4]. دعوةٌ للقداسة، أيّ للسعادة. إنّ العائلة هي المكان التي يولد فيه الحبّ؛ إنّه أوّل مكانٍ يتجلّى فيه حبّ الله في حياتنا بغضّ النظر عمّا بإمكاننا القيام به أو التوقّف عنه: " ونَحْنُ، فَلْنُحِبَّ الله، لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوّلاً" (1 يو 4، 19). فالأبوّة والأمومة يحدّدان هويّة كلّ واحد منّا كهديّة من الله، وكثمرة حبّ. ففي خضمّ الصعوبات المتزايدة التي قد تظهر في الحياة العائلية، يدفعنا الإدراك بأنّنا هديّة من الله وأنّ الآخرين هم هديّة من الله، إلى محبّتهم أكثر. ويحتاج المجتمع دائمًا إلى هذا الحبّ غير المشروط.

يتفّق الجميع اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، على الإلحاح على ضرورة إسعاف العائلات التي تواجه صعوبات مريرة على مختلف الأصعدة. فلا يولد المرء عالِمًا كيف يكون أبًا أو أمًّا أو زوجًا أو زوجةً: فلا بدّ من تنشئة الذات والمساعدة على تنشئة أزواج وأهلٍ آخرين. وهكذا، عائلاتٌ تساعد عائلاتٍ أخرى! فالحياة العائلية تعطي مجال خبرة واسع يسهّل عملية "تعليم من لا يعرف" التي تُعدّ عمل رحمة عظيم وواسع الآفاق. فكم من الأمور يمكن القيام بها لتحضير الأزواج جيدًا ومتابعة المتزوجين حديثًا أو الذين يمرّون بفترةٍ صعبة بطبيعيّة، ومن دون "إعطاء المواعظ". فقد تكون العائلة التي تمرّ بصعوبة هي عائلتكم؛ ويكون حينها الوقت قد أتى لكي تتحدّثوا عمّا في قلبكم وتدعوا أنفسكم تتلقى المساعدة، بالبساطة ذاتها التي دعمتم فيها أشخاصًا آخرين من قبل.

فكّروا أيضًا بقلبٍ كبير، كيف بإمكانكم مساعدة الذين يعيشون في ظروفٍ غير منتظمة. فالبابا فرنسيس قد أكّد على أنّ تعليم الكنيسة لا يتغيّر[5]، إلّا أنّه قد حثّ على تحسين الاهتمام بإخوتنا وأخواتنا الذين يجدر بنا مرافقتهم بترحيب وتفهّم، يساعدانهم على تخطّي هذه الأوضاع بنعمةِ الله.

لاحظوا ذاك الحديث الذي جمع يسوع بالمرأة السامرية (راجع يو 4، 1-45). تلك المرأة بدأت بالصلاة من دون أن تدرك ذلك، حين كانت لا تزال بعيدة عن الله: بدأت تتحدّث مع الله الذي أتى للقائها وقادها شيئًا فشيئًا إلى إعادة النظر في حياتها. لم تبقَ السامرية بمفردها أمام جرحها: فقد كانت في الوقت نفسه أمام نظرة "أَبي المَرَاحِمِ وإِلـهُ كُلِّ تَعْزِيَة" (2 كو 1: 3-4). فالربّ يدعونا أن نحمل قُربه وتعزيته إلى كلّ هؤلاء الأشخاص، على الرغم من بؤسنا الشخصي وقلّة قيمتنا.

وعلى أيّ حال، من المهمّ أن نستبق الأمور السيئة ونتفادى حدوثها: "فأن تتعلّم كيف تحبّ إنسانًا آخر ليس أمرًا ارتجاليًّا (...). في الواقع، كلّ إنسان يبدأ بالاستعداد للزواج منذ الولادة"[6]. أذكّركم بأنّه من المناسب أن تتطرّق النشاطات الرسولية مع الشباب إلى جمال العزوبية الرسولية وأن تتناول أيضًا موضوع الدعوة لتأسيس عائلة مسيحية من الجوانب المختلفة للخطبة والزواج بروحٍ خلاّقة[7]: عبر شهادات حياة تقدّمها عائلات مختلفة، وحلقات الإرشاد العائلي للأشخاص غير المتزوجين، ومحاضرات، ومشاريع وقراءات ونشاطات للأهالي في المدارس والمساهمة مع الرعايا وتشجيع وسائل الترفيه التي قد تكون مصدرًا لعائلاتٍ مسيحية مستقبلية، وإلخ.

وأمّا أنتم الذين تهتمّون بشكلٍ مباشر بنشاطات التنشئة، فكّروا بأنّ لتحسّن كلّ عائلة تأثير مُضاعف على كلّ المجتمع. فجاذبية العائلة المسيحية مُعدية: "من خلال الشهادة، كما من خلال الكلمة، تتحدّث العائلات عن يسوع للآخرين، وتنقل الإيمان، وتوقظ رغبة الله وتظهر جمال الإنجيل ونمط الحياة الذي يقدّمه لنا"[8].

فلنوْدع الروح القدس وعمله الصامت والخصب هذه المهمّة العائلية الهائلة والرصينة.

مع كلّ المحبّة، يبارككم

أبوكم

فرناندو

روما، 4 حزيران 2017، عيد العنصرة


[1] . راجع الرسالة الرعويّة، 14 شباط 2017

[2] . البابا فرنسيس، المقابلة العامة، 2 أيلول 2015

[3] . القديس خوسيماريا، أخدود، 864.

[4] . القديس خوسيماريا، طريق، 27

[5]. راجع، البابا فرنسيس، الإرشاد الرسولي "فرح الحبّ"، رقم 300

[6] . البابا فرنسيس، الإرشاد الرسولي "فرح الحبّ"، رقم 208

[7] . راجع، الرسالة الرعويّة، 14 شباط 2017، رقم 25

[8] . البابا فرنسيس، الإرشاد الرسولي "فرح الحبّ"، رقم 184