البابا يوحنا بولس الثاني: رابط عميق مع لبنان

في خضم الأزمات التي تعصف بالبلد، لطالما عبّر البابا القديس يوحنا بولس الثاني عن أمنيته العميقة بأن يستعيد لبنان انسجامه ويصبح مثالًا للتعايش أمام باقي الأمم. فبالنسبة له، كان للبنان مهمّة فريدة، نداء للسلام يتجاوز حدوده، "لبنان هو رسالة."

"السلام هو هبة من الله يجب أن نبنيها معًا." هذه الكلمات للقديس يوحنا بولس الثاني، التي نطق بها منذ عقود، تبدو اليوم أكثر أهمية، بل وأكثر إلحاحًا، وكأنها نبوءة لعصرنا هذا، حيث الحروب تمزق المنطقة، ويبدو أن الإنسانية تتهاوى أمام العنف. كان البابا، بحكمة نافذة، يردد بلا كلل: "العنف لا يحل شيئًا، إنه فقط يدمر."

أتذكر ذلك اليوم في عام 1997، كان عمري حوالي 14 عامًا. كان القديس يوحنا بولس الثاني في زيارة للبنان، زيارة تاريخية لبلد طبعته الحروب والانقسامات. كانت هذه أول زيارة لبابا للبنان. وبينما كانت سيارته البابوية تعبر بين الحشود، تسلقت على سور لأتمكن من رؤيته بوضوح، ووجدت نفسي على بعد عشرين مترًا فقط. حينها التفت نحوي، وفي لحظة، تلاقت أعيننا لبضع ثوانٍ. ابتسم لي، بابتسامة مليئة باللطف والأمل. يا لها من ابتسامة! يا لها من رقة! هذا النظر، لن أنساه أبدًا. كان يحمل وعدًا صامتًا، وعدًا بالأمل.

بالنسبة ليوحنا بولس الثاني، لم يكن لبنان مجرد بلد، بل كان رمزًا. مكانًا تتلاقى فيه الثقافات والأديان والشعوب، تتصادم أحيانًا، لكنها تتعايش أيضًا. كان يتحدث في خطاباته عن هذا التنوع ككنز لا يقدر بثمن. لقد رأى في لبنان تشبيهًا لما يجب أن يكون عليه العالم: مكان حيث تكون الاختلافات ثروة، لا سببًا للخلاف. في عام 1989، وفي خضم الأزمات التي كانت تعصف بالبلد، عبّر عن أمنيته العميقة بأن يستعيد لبنان انسجامه ويصبح مثالًا للتعايش أمام باقي الأمم. بالنسبة له، كان للبنان مهمة فريدة، نداء للسلام يتجاوز حدوده، "لبنان هو رسالة."

لكن يوحنا بولس الثاني لم يكن رجل أفكار عظيمة فقط، بل كان إنسانًا عميق الإنسانية أيضًا. كان عاشقًا للتزلج، وكان يمزح كثيرًا حول هذه الرياضة التي كانت تمنحه الاستجمام. وكيف لا يعشق لبنان لمن يحب الجبال المغطاة بالثلوج؟ فاسم لبنان نفسه، المشتق من الكلمة السامية "لبن" التي تعني "الأبيض"، يرمز إلى هذه الجبال المغطاة بالثلج. ربما وجد في هذه الأرض شيئًا من مشاهد طفولته في بولندا، صدى لتلك الأماكن التي كان يحب أن يضيع فيها بين منحدرات التزلج.

في رحلته إلى لبنان، كانت له أيضًا كلمات قوية تجاه الكنيسة المحلية: "يجب أن تكون الكنيسة في لبنان دائمًا منارة للأمل والتضامن والسلام لهذا البلد وللمنطقة بأسرها." واليوم، هذا النداء أكثر من أي وقت مضى ملحٌ وحاضر. إنه ليس موجهًا فقط لرجال الدين، بل لكل مؤمن، لكل مواطن. نحن جميعًا مدعوون لنكون صناع سلام، بناة أمل، في عالم هو في أمس الحاجة إليه. من خلال تذكر تعاليم القديس يوحنا بولس الثاني، يمكننا، معًا، أن نعمل من أجل تحقيق هذه المهمة العظيمة. وفي النهاية، سيسود السلام، لأنه حيث يكثر الشر، تكثر النعمة (رومية 5:20).