"قوّتنا تكمن في الصلاة"

مقتطف من رسالة الطوباوي ألفارو ديل بورتيّو الرعوية، أُرسِلت في خلال زمن المجيء من عام 1990. دفعة جديدة تُضَمّ إلى سلسلة "الصلاة مع ألفارو ديل بورتيّو".

(مقتطف من رسالة الطوباوي ألفارو ديل بورتيّو الرعوية، في ١ كانون الأوّل ١٩٩٠)

عندما احتفلتُ، منذ بضعة أيّام، بعيد يسوع المسيح ملك الكون، تأمّلتُ مرّة جديدة بالاندفاع الرسولي الذي اتّصف به أبينا القديس خوسيماريا إسكريفا وكيف قاده حبّه المضرم لله إلى نقل هذا الاندفاع إلى آلاف الناس من خلال القول والفعل. وبينما كنتُ أجدّدُ تكريس الأوبس داي إلى قلب يسوع الكلّي القداسة والرحمة، سألتُ ربّنا أن يضرم نار هذا الشغف الإلهي في داخلنا: فلتكنْ حياة بناته وأبنائه في الأوبس داي، من الآن وحتى نهاية الأزمنة، امتدادًا لمملكته لتشمل النفوس جميعها، لمجد الثالوث الأقدس وإكرامه.

وكم أودُّ أن تحفّزكم هذه الأسطر الوجيزة على الغوص عميقًا في التبشير واضعين ثقتكم التامّة بربّنا. تأمّلوا، يا بناتي وأبنائي، بالقوّة المغيِّرة التي تمنحها النعمة الإلهية: فإنّها قادرة على تنوير العقول المنغمسة في الظلام، فقد حوّلت شاول المضطهِد إلى بولس الرسول في لحظة واحدة. ولا تزال تتوالى عجائب مماثلة إلى اليوم.

يدعونا زمن المجيء الليتورجي إلى تعزيز أملنا وتثبيته. فإذا ثابرنا على نشر العقيدة والمحبّة، سيضع الله حدًّا لهذه المحن التي تمرّ خلالها الكنيسة والتي تجعلنا نعاني كثيرًا. ويساعدنا أن نتأمّل بمثال ربّنا في خلال هذه الأسابيع التحضيرية لعيد ميلاد المخلّص العظيم. فهو، كما تاق إلى أن يتّخذ جسدنا جسدًا له، أعدّ البشرية بالتعاليم الإلهية وجاء إلى الأرض في الوقت المعدّ له مذ خلق الله الآب العالم. قرون عدّة مرّت قبل أن يتحقّق حدث تجسّده العظيم. وعندما أصبح إنسانًا، أمضى ثلاثين عامًّا من دون أن يكشف أنّه هو المسيح ابن الله؛ فلم يظهر قدرته ولاهوته إلّا في وقت لاحق.

لذا، كونوا متفائلين على الرغم من الصعوبات الحقيقية التي غالبًا ما تواجهونها في حياتكم. ولو أنّ علينا أن نستخدم كلّ الوسائل البشرية التي في متناولنا، لا يقوم أملنا على هذا وحسب، بل على المسيح ربّنا، ربّ الأرباب[1]، الذي خلّص العالم كلّه مضحّيًا بنفسه على الصليب.

قد يبدو لنا، في بعض الأحيان، أنّ صدى "لن أخدمك!" الذي يُترجم في أعمال رجال ونساء كثيرين يصدح أعلى من صدى "سأخدمك!" الذي، بنعمة إلهية، ترفعه كلّ يوم شفاه وقلوب كلّ واحد منّا، راغبين في أن نكون طوْع النعمة. لا تنخدعَنَّ بالمظاهر واسمحَنَّ لي أن أكرّر وأعيد مشدّدًا على أنّ الله ينتصر دائمًا. يجب ألّا ننسى ما كان يقوله أبونا إنّه "في أوقات الأزمات الكبيرة في تاريخ الكنيسة، قليلون الناس الذين، بغضّ النظر عن إيمانهم الثابت وإخلاصهم، كانوا يتمتّعون بإعداد روحي عميق وتنشئة مسيحية وموارد فكرية لازمة لمقاومة وكلاء الشر بشكلٍ فعّالٍ. ولكنّهم ما لبثوا يضيئون الكنيسة وينيرونها. أبنائي، يجب أن نشعر بواجب أن نكون مخلصين لما تلقّيناه من الله، وأن ننقله إلى الآخرين بأمانة. لا يمكننا، ولن نقبل بأن نستسلم"[2].

قوّتنا تكمن في الصلاة، فهي المفتاح لقلب مخلّصنا الكلّي الرحمة، الذي هو دائمًا على استعداد لمساعدة خاصّته. "الله لا يخسر المعارك. ولكن علينا ألّا نملّ من أن نطرق باب قلب يسوع الرحوم، حبّنا الوحيد، وقلب مريم الحلو، خلاصنا. ولا تنسوا أنّ القرن بالنسبة إلى الله ما هو إلّا لحظة"[3].

ولكن من المهمّ أن نسأل بإصرار. فإذا ما كافحنا بثباتٍ باذلين أنفسنا يومًا بعد يوم، يا بناتي وأبنائي، سترون كيف ستسمو الكنيسة في جميع أنحاء العالم، وسيترسّخ الإيمان في نفوس كثيرة. ولكن، إذا لم نقاتل ونناضل، فحتّى بمساعدة النعمة، سيصرعنا ضجيج صدى ذاك الصوت "لن أخدمك!". وإنّنا نحمل مسؤولية كبيرة لأنّ الله دعانا ووضع ثقته فينا. علينا أن نتوسّل إلى يسوع، مردّدين كلمات الإنجيل التي استخدمها مؤسّسنا: "استمع إلينا، يا ربّ! زِدْ إيماننا أكثر. لنقُلْ مع قائد المئة: "يكفي أن تقول كلمة" (متى ٨: ٨)، كلمة واحدة فقط!، وسيُحلّ كلّ شيء"[4].

إنّ صلاتنا المتواصلة، والصلاة التي لا أبرح أسألكم إيّاها عن نواياي، يجب أن تكون متّحدة بشكل تامٍّ باجتهادنا اليومي الذي نسعى من خلاله إلى نشر الروح المسيحية في محيطنا. لا تعتقدوا أنّ مساهمتكم لن تُحدِث سوى فرق صغير. فكلّ واحد منكم قد يفعل الكثير، لأنّ فعالية العمل الرسولي تعتمد في المقام الأوّل على حبّكم لله وعلى نظرتكم الفائقة الطبيعة للأمور والتي تساعدكم على أن تتصوّروا أنفسكم مبشِّرين في محيطكم.


[1] الرؤيا ١٩: ١٦

[2] القدّيس خوسيماريا، رسالة رعوية، ٢٨ آذار ١٩٧٣، رقم ١٨

[3] القدّيس خوسيماريا، رسالة رعوية، ١٧ حزيران ١٩٧٣، رقم ٣٥

[4] القدّيس خوسيماريا، رسالة رعوية، ٢٨ آذار ١٩٧٣، رقم ٢٠