تعرّف إلى الـ"أوبس داي" في لبنان

في تشرين الثاني من العام 1996، بدأ العمل الرسولي الثابت للـ"اوبس داي" في لبنان. واليوم، وبعد 22 عامًا، يخبرنا نائب حبر الـ"أوبس داي" في لبنان، الأب دومينيك حلو، عن تطوّر هذه المؤسسة محليا وعن كيفيّة قيامها بنشاطاتها ضمن الكنيسة الكاثوليكية.

بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب الأهليّة التي عانى منها لبنان مدّة 15 سنة، رأينا الـ"أوبس داي" يستقرّ بشكلٍ ثابت في هذا البلد المشرقي. ويشرح الأب دومينيك حلو كيف جرت هذه الخطوة:

"بدأ العمل الرسولي للـ"أوبس داي" في لبنان في تشرين الثاني 1996، وذلك بعد أن كان عدد من الأساقفة الموارنة قد حثّوا على ذلك حبر الـ"أوبس داي" آنذاك، المونسنيور الراحل خافيير اتشيفاريّا. جرى ذلك خصوصًا على هامش السينودس الخاص من أجل لبنان الذي دعا إليه القديس البابا يوحنا بولس الثاني عام 1995.

جرت حينها رحلة تمهيديّة لدراسة إمكانيات بدء العمل الرسولي، وقد استقبل البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي، الذي كان في ذلك الوقت مطران أبرشيّة جبيل المارونية، مبعوثين من قبل حبر الـ"أوبس داي". وبعد أشهر قليلة، أرسل المونسنيور اتشيفاريّا مجموعة صغيرة مؤلّفة من كاهنين وثلاثة علمانيين للبدء. ومن ثمّ قدمت مجموعة من النساء في آذار 1997".

ترحيب كنسي محلّي بالـ"أوبس داي"

مؤمنو الحبريّة يعيشون روح العائلة الذي هو قريب جدًا من التقاليد اللبناني العريقة القاضية بحسن الضيافة والإستقبال واللطف

لقد لقي قدوم هذه المؤسسة الكنسيّة إلى لبنان بترحيب ليس فقط على صعيد هيكليّة الكنيسة فقط، إنّما أيضًا على صعيد الناس، حيث أن "الـ"أوبس داي" مرحّب به بشكلٍ كبير والحمد لله، خصوصًا وأن مؤمني الحبريّة يعيشون روح العائلة الذي هو قريب جدًا من التقاليد اللبناني العريقة القاضية بحسن الضيافة والإستقبال واللطف".

للـ"أوبس داي" في لبنان اليوم 5 مراكز، اثنين منهم للرجال وثلاثة للنساء، في بيروت وبعبدا وجونية، بالإضافة إلى مركز كبير للتنشئة في منطقة معاد في قضاء جبيل. ويستقبل هذا المركز أشخاصًا يرغبون بالمشاركة بالرياضات الروحيّة التي تنظّمها حبريّة الـ"أوبس داي"، ويستقبل أيضًا مؤتمرات ونشاطات عائليّة.

يتألف الـ"أوبس داي" في لبنان من حوالي المئة مؤمن وبعض مئات المعاونين والأصدقاء، والهيكليّة الكنسيّة المحليّة تقدّر عمل التنشئة الذي ينعكس إيجابًا على مختلف الرعايا. ويؤكّد الأب حلو أن "الحبريّة تتوجّه إلى المسيحيين العاديين، النساء منهم والرجال، المتزوجين منهم وغير المتزوّجين، وتدفعهم إلى عيش القداسة في حياتهم اليوميّة، متّخذين من القديس يوسف والقديسة مريم قدوة لهم. وأبرز ما يميّز روحانيّة "عمل الله" (أو "أوبس داي") هو: - حسّ البنوّة الإلهيّة التي تقضي بالعيش في ثقة وحيّة، -القداسة في الحياة العاديّة التي تدفع نحو أخذ الإيمان بجدّية والسعي إلى تطبيقه عمليّاً، -تقديس العمل الذي يقوم عبر الإجتهاد لإتمامه بشكلٍ جيّد، ليس فقط بهدف التقدّم في الحياة أو لأهداف مهنيّة بحتة، إنما خصوصًا لأن العمل هو جزء لا يتجزّأ من مخطط الله؛ وأخيراً، - الإهتمام بالأمور الصغيرة، عبر القيام بها بمحبّة، والروح الرسوليّة لتقريب الأشخاص المحيطين بكل واحدٍ منّا من الله".

خدمة الكنيسة كما ترغب الكنيسة بذلك

المونسنيور خافيير اتشيفاريا خلال زيارته الرعويّة إلى لبنان في نيسان 2013

ويشدد على أن "الـ"أوبس داي" تبحث حصريًا وفقط لا غير على "خدمة الكنيسة بالطريقة التي ترغب الكنيسة بها" بحسب كلمات المؤسس، كونها جزءٌ من الكنيسة الكاثوليكيّة. وهي تكمّل المساندة الروحيّة التي يتلقّاها المؤمنون في رعاياهم وأبرشيّاتهم. فالإنتساب إلى هذه المؤسسة الكنيسيّة لا يغيّر بأي شكلٍ من الأشكال العلاقة التي تربط أعضاءها بأبرشياتهم التي ينتمون إليها. فالأعضاء العلمانيون يتمتّعون بكل الحقوق الواجبات التي يتمتّع بها أيّ كاثوليكي آخر تجاه أبرشيّته، وبالتالي، فإن الإرشادات التي يوجهها المطران المحليّ تطال أيضًا مؤمني الحبريّة. وفي هذا الإطار، يحرص حبر الـ"أوبس داي" والكهنة الذين يساعدونه في هذه المهمّة الرسوليّة والمدراء العلمانيين للمراكز، على العمل بناءً على الأسس التي يحدّدها المطران المحليّ. وهم يقدّمون مساعدة خاصّة وفعّالة للمجهود الذي يبذله لتقديس الجزء من شعب الله الذي سلّمه الله له لرعايته".

ويتابع الأب حلو شارحًا أن "الكهنة والمدراء في الحبريّة يساعدون كل الأعضاء على إتمام واجباتهم الروحيّة والرسوليّة بشكلٍ مثاليّ، وهذا يتضمّن بشكلٍ طبيعيّ الإتمام الأمين لإرشادات المطران. تحثّ الـ"أوبس داي" أعضاءها على الطاعة لمطارنتهم، وعلى محبّتهم وتكريمهم لأنه، وبحسب تعاليم الكتاب المقدّس، لقد تمّ اختيارهم من قبل الروح القدس لقيادة الرعيّة.

ويساهم الأعضاء مع الكاهن وسائر أبناء رعيّتهم، ويسعون لتشجيع حسّ الوحدة في قلب الجماعة الرعويّة من خلال مثالهم وصلاتهم وكلامهم. ويشارك بعضهم بشكلٍ ناشط في المكاتب الرعويّة أو في الجمعيات أو سائر النشاطات المتّصلة بالرعايا أو بالأبرشيّات. وفي كلّ حال، إنهم يساهمون في حياة الكنيسة المحليّة من خلال جعل المسيح حاضرًا عبر صلاتهم وإماتاتهم وكلامهم ومثالهم، حيثما وجدوا، في مكان عملهم أو سكنهم. وفي هذه الطريقة، يسعون إلى تقريب الأشخاص المحيطين بهم في حياتهم اليوميّة من المسيح، وبالتالي، فإن الرعايا والأبرشيات تستفيد بشكلٍ مباشر من العمل الرسولي هذا".

لا قلق على كنيسة لبنان

الأب دومينيك حلو خلال لقاء جمعه بالنائب الرسولي

وبالنسبة إلى النظرة السلبيّة للبعض على مستقبل الكنيسة في لبنان لأسباب شتّى، يقول: "لست قلقًا بأي شكلٍ من الأشكال على مستقبل الكنيسة في لبنان، وعلى مستقبل الـ"أوبس داي" الذي ليس سوى جزء بسيط من نموّها. فالمسيحيون موجودون في بلدنا منذ أيّام الرسل، وقد ضربت الإضطهادات الكنيسة اللبنانية في مراحل عدّة على مدى 2000 عامًا، وما زال الحضور المسيحي صامدًا، ونحن نعرف أن سفينة بطرس لن تغرق لأن المسيح يحميها.

يجب بالطبع ربح معركة التنشئة لدى الأجيال الجديدة، وفي هذا الإطار، إن مؤمني الـ"أوبس داي" في لبنان كما في العالم كلّه، معروفون بسعيهم إلى تقريب رفاقهم وزملائهم وأهلهم وجيرانهم من الله. فبالإضافة إلى المثل الذي يقدّمونه، فهم أيضًا يصلّون عن نيّة أصدقائهم ويقدمون الإماتات من أجلهم، ويسعون في الوقت عينه لمساعدتهم على التعرّف إلى المسيح عبر الأحاديث التي تجمعهم بهم، وعلى محبّته بشكلٍ أكبر، وعلى الإجابة على دعوته للقداسة. فالصداقة المسيحية تُترجم بكلامٍ مشجّع وبوعدٍ بالصلاة عن نيّة إيجاد حلّ لمشكلة ما، وبتقدمة النصائح المناسبة.