حبريّة شخصيّة

في قانون الكنيسة الكاثوليكيّة، تمّ نصّ الصّيغة القانونيّة للحبريّات الشّخصيّة في المجمع الفاتيكاني الثّاني.

إنّ المرسوم المجمعيّ Presbyterorum ordinis رقم 10، يقرّ بأنّه "حيث تتطلّب ظروف الرّسالة ذلك، تُسَهَّلُ نشاطات رعويّة خاصّة، لأجل مختلف الأوساط الإجتماعيّة، على مستوى منطقة، أمّة، أو العالم أجمع"، ويمكن هكذا مستقبلاً، خلق بين مؤسّسات عديدة، "أبرشيّات خاصّة أو حبريّات شخصيّة".

أراد المجمع تحديد صيغة قانونيّة جديدة، تكون جدّ مَرِنَةٍ، تسمح بمشاركة أفضل لنشر فعّال للرّسالة وللعمل المسيحيّين : وهكذا يستجيب تنظيم الكنيسة لمتطلّبات رسالتها، الّتي تكوّن جزءًا من تاريخ البشر.

إنّ أغلبيّة الدّوائر الكنسيّة الموجودة هي جغرافيّة، لأنّها منظّمة على أساس ارتباط المؤمنين بمنطقة معيّنة محدّدة بمسكنهم. إنّها حال الأبرشيّات النّموذجي.

في حالات أخرى، تحديد المؤمنين لسلطة كنسيّة لا يتمّ على أساس موقع المنـزل، بل حسب معايير أخرى، كالمهنة، الطّقس، وضع المهاجرين، أو إتّفاقيّة قائمة مع الجسم القضائي، إلخ. هذه هي الحال، مثلاً، مع الأسقفيّات العسكريّة والحبريّات الشخصيّة.

ألحبريّات الشّخصيّة – المرغوبة، كما رأينا، من قبل المجمع الفاتيكاني الثّاني – هي كيانات، يرأسها راع (حبر، يمكن أن يكون أسقفًا يسمّيه البابا ؛ إنّه يحكم الحبريّة بسلطة قانونيّة). مع الحبر يوجد جسم كهنوتي مؤلّف من كهنة، ومؤمنون علمانيّون، رجال ونساء.

ألحبريّات الشّخصيّة هي إذًا مؤسّسات من ضمن هيكليّة الكنيسة التّراتبيّة، أي واحد من أشكال التّنظيم المستقلّ، توجدها الكنيسة لبلوغ الأهداف الّتي رسمها لها المسيح، فيما يبقى مؤمنوها بالوقت عينه مرتبطين بالكنائس المحلّيّة، أو الأبرشيّات حيث يسكنون.

إنّ المواصفات الّتي ذكرناها آنفًا – بين غيرها – تميّز بوضوح الحبريّات الشّخصيّة عن المؤسّسات الرّهبانيّة والحياة المكرّسة عمومًا، كما وعن حركات وجمعيّات المؤمنين.

حبريّة "عمل الله"

قبل أن ترفع إلى حبريّة، كانت "عمل الله" وحدة عضويّة مؤلّفة من علمانيّين وكهنة، يتعاونون في مهمّة محدّدة ورسوليّة على مستوى عالميّ. هذه المهمّة المحدّدة تقضي بنشر هدف القداسة في وسط العالم، في العمل المهنيّ والظّروف العاديّة لكلّ فرد.

قرّر بولس السّادس والباباوات الّذين خلفوه درس إمكانيّة إعطاء "عمل الله" هيئة قانونيّة نهائيّة، تتناسب وطبيعتها. إذا ما عدنا إلى الوثائق المجمعيّة، فكان يجب أن تكون الحبريّة الشّخصيّة. بدأت الأعمال المخصّصة للقيام بـهذه المطابقة في 1969. شارك فيها الكرسيّ الرّسولي و "عمل الله"، وإنتهت في 1981.

أرسل الكرسيّ الرّسوليّ مذكّرة إلى أكثر من ألفي أسقف في البلدان حيث توجد "عمل الله"، طالبًا منهم إبداء ملاحظاتـهم. وبعد إنجاز هذه الخطوة، رُفِعَتْ "عمل الله" على يد يوحنا بولس الثّاني إلى حبريّة شخصيّة على صعيد عالميّ، حسب الدّستور الرّسوليّ Ut sit ، الصّادر في 28 تشرين الثّاني 1982، وأصبح نافذًا في 19 آذار 1983. بـهذه الوثيقة أصدر الحبر الأعظم التّشريعات، أو القانون الحبريّ الخاصّ لحبريّة "عمل الله". إنّها القوانين الّتي حضّرها المؤسّس قبل بضع سنوات، مع التّغييرات المطلوبة مما يتناسب مع التّشريع الجديد.

علاقة مع الأبرشيّات

إنّ حبريّة "عمل الله" هي هيكليّة قانونيّة ضمن التّنظيم الرّعائيّ والتّراتبيّ في الكنيسة. على مثال الأبرشيّات، الحبريّات الجغرافيّة، النّيابات، الحبريّات العسكريّة، إلخ. إنّها تتمتّع باستقلاليّة خاصّة وبتشريع قانونيّ، يسمحان لـها بإتمام رسالتها في خدمة الكنيسة الجامعة.

لـهذا السّبب، تتعلّق الحبريّة، بطريقة فوريّة ومباشرة، بالحبر الأعظم، بواسطة مجمع الأساقفة. تمتدّ سلطة الحبر على كلّ ما يختصّ برسالة الحبريّة الخاصّة :

أ- مؤمنو الحبريّة العلمانيّون هم تحت سلطة الحبر بكلّ ما يختصّ بإتمام التّعهّدات الخاصّة – التقشّفيّة، التنشئية والرسوليّة – الّتي يتعهّدون بها عند إعلانهم الصّريح، ذي الطّابع العقديّ، بانخراطهم في الحبريّة.

بطبيعتها، هذه التّعهّدات لا تعود إلى سلطة الأسقف الأبرشيّ. إنّ مؤمني الحبريّة العلمانيّين يبقون منسبين إلى الأبرشيّات حيث يقطنون، ويبقون بالتّالي خاضعين للأسقف الأبرشيّ بنفس الطّريقة وفي نفس المسائل مثل المعمّدين الآخرين، أمثالهم.

ب- حسب أحكام قانون الكنيسة العامّ وحقّ الـ"أوبس داي" الخاصّ : يُعتَبَرُ الشّمامسة والكهنة المنضوين في الحبريّة إكليرسًا علمانيًّا، ويكونون تحت سلطة الحبر بالتّمام.

عليهم أن يشجّعوا العلاقات الأخويّة مع أفراد الكهنة في الأبرشيّة، والإلتزام باعتناء بنظام الإكليرس العام، ويحقّ لهم التّصويت أو أن يُصوَّت لهم لتكوين المجلس الكهنوتيّ للأبرشيّة.

كذلك، وبموافقة مسبقة من الحبر، أو عند الإقتضاء، من نائبه، يستطيع الأساقفة الأبرشيّون تكليف كهنة الحبريّة بمهمّات أو خدمات كنسيّة (خادم رعيّة، قاض، إلخ.) إنّهم يتمّمون هذه الأعمال وفق توجيهات الأسقف الأبرشيّ، ولا يؤدّون حسابًا عنها إلاّ له.

إنّ تشريعات "عمل الله"، (العنوان IV ، الفصل V ) تضع المعايير العائدة للتّعاون المنسّق بين الحبريّة والأبرشيّات، الّتي تقوم برسالتها المحدّدة على أرضها. هذه بعض ميزات هذه العلاقات :

أ- إنّ نشاط الـ"أوبس داي" لا يبدأ، ولا يُصار إلى إنشاء مركز قانونيّ للحبريّة، دون الموافقة المسبقة للأسقف الأبرشيّ.

ب- لإنشاء كنائس الحبريّة، أو في حال وجود كنائس في الأبرشيّة – وعند الإقتضاء، في الرّعايا – تسلّم إليها، تتمّ معاهدة بين الأسقف الأبرشيّ والحبر، أو النّائب العام المناطقيّ الممثّل. فيُحافظ في هذه الكنائس على التّرتيبات العامّة للأبرشيّة، الخاصّة بالكنائس المُدارة من الإكليرس العلمانيّ.

ت-إنّ سلطات الحبريّة المناطقيّة في تواصل مستمرّ مع أساقفة الأبرشيّات حيث تنفّذ الحبريّة عملها الرّعائيّ والرّسوليّ، وكذلك مع الأساقفة ذوي المهمّات الإداريّة في قلب مجمع الأساقفة، ومع مختلف تنظيمات المجلس.