حبر الـ"أوبس داي" للشباب: "شرّعوا الأبواب أمام الرحمة"

مقالة لحبر الـ"أوبس داي" المطران خافيير اتشيفاريّا، بمناسبة الإحتفال باليوم العالمي للشباب في بولندا.

سيجتمع مئات آلاف الشباب والشابّات القادمين من مختلف أنحاء العالم مرّة جديدة حول الأب الأقدس. سيتركون منازلهم ودراساتهم ونشاطاتهم المعتادة لبضعة أيام للإحتفال سوياً ببهاء الإيمان المسيحي وبجمال الكنيسة المقدّسة.

لقد تجذّر حدس القديس يوحنا بولس الثاني بقوّة في حياة الشابات والشباب - الكاثوليك منهم وغير الكاثوليك- في العالم، إذ إنه كان قد اقترح عليهم منذ 30 عاماً، أن يتم الإحتفال بهذه الأيام.

سترنّ في أذن كل من يمرّ على طرقات أوروبا، متجهاً نحو كراكوفيا، تلك الكلمات التي فاجأت العالم والتي ما زالت صالحة اليوم أيضاً: لا تخافوا! شرّعوا الأبواب للمسيح!

تعيدنا الأيام العالمية للشباب هذه إلى الجذور الجغرافيّة والروحيّة للقديس الحبر الأعظم البولندي: وفي ذلك المكان، ستكون الرحمة من جديد تلك الشرارة التي ستشعل رغبة الكثيرين لتقدمة ذواتهم إلى الله وللتصرف وفق ما يخدم الآخرين. وسترنّ في أذن كل من يمرّ على طرقات أوروبا، متجهاً نحو كراكوفيا، تلك الكلمات التي فاجأت العالم والتي ما زالت صالحة اليوم أيضاً: لا تخافوا! شرّعوا الأبواب للمسيح!

ستقترح هذه الأيام على الشباب أن يفتحوا أبواب أرواحهم لإكتشاف الرحمة، سائرين على خُطى القديس يوحنّا بولس الثاني والقديسة فوستينا كوفالسكا الذين يحدّثانا عن الرحمة الإلهّية. ففي الواقع، علينا أن نتجنّب خطر أن تبقى الرحمة مجرّد كلمة جميلة، قادرة على ملئ الخطابات والأغنيات والتعابير الجيّدة، من دون أن تتجسّد في كياننا وفي أعمالنا. لهذا السبب، يقدّم لنا البابا فرنسيس فرصاً عديدة لإختبارها وعيشها؛ والأيام العالمية للشباب هي مثالٌ على ذلك.

إن رحمة الله مطابقة له، لذلك، فهي تنبع من سرّه. ولكشف مضمون هذا السرّ، يجب علينا اقتباله، ويُعتبر الإعتراف بالأخطاء في سرّ التوبة الوسيلة الأفضل والطريق الأكثر مباشرة وسعادة للوصول إليه. ويسمح لنا ترك إهاناتنا بين يديه بمعرفة إلى أي مدى يحبّنا الخالق. ويقول القديس خوسيماريا في هذا الإطار: "إن المسيح ينتظر دائماً أن نعود إليه، ولذلك تحديداً، فهو يعرف ضعفنا". نتمنى أن يعود عدد كبير من الشباب من كراكوفيا بعيونٍ أكثر طهارة وبروح سعيدة بعد أن يكونوا قد وضعوا ذواتهم بين يديّ النعمة الإلهية، وبعد أن يكونوا قد شعروا بغمرة ذلك الأب الإلهي الذي ينتظر عودتنا دائماً. فلا نخافنّ! فلنشرّع الأبواب أمام الرحمة الإلهية! فإن طريقة التصرّف هذه ستقودنا إلى العودة للخير، إذا ما قد خسرناه، وتُنتج رغبات حبّ جديدة.

تصبح الرحمة قويّة فينا عندما نمارسها أيضاً. فإن قدرتها قويّة لدرجة أنه لديها القدرة على ملئ حياتنا وعلى تحويل الوجود الرماديّ إلى قوّة قادرة وإيجابية وسلاميّة، وهذا ما يحتاجه مجتمعنا.

تُعتبر الـ"لا إمتثاليّة" الصحيّة إحدى خصائص الروح الشابّة، كما أكد لنا القديس خوسيماريا: "كنت متمرّداً في صباي، وما زلت حتّى الآن؛ لأنني لا أريد أن أعترض من دون تقدمة حلّ إيجابي، ولا أريد أن أملأ حياتي بالفوضى. أتمرّد ضد كل هذا! أريد أن أكون إبناً لله، وأن أتواصل مع الله، وأن أتصرّف كإنسان يعرف أن لديه منزلاً أبدياً، وبالإضافة إلى ذلك، كإنسان يمرّ على هذه الأرض فاعلاً الخير الموجود بين يديه، متفهماً، مسامحاً، متعايشًا مع الآخرين...".

ليت كل شخص من المشاركين يعود إلى منزله حاملاً معه مقصداً صالحاً - محدداً وشخصياً-، يساهم من خلاله بنشر قدرة حنان الله في كل ركنٍ من أركان العالم.

تقدّم لنا هذه الأيام في بولندا فرصاً عديدة لممارسة الرحمة من خلال روح الخدمة: يُسهّل التعايش مع أشخاصٍ لا نعرفهم، وأوقات الإنتظار، والحرّ والبرد، وساعات النوم القليلة والمضايقات الأخرى فرصاً للإهتمام بالآخرين ومساعدتهم، تماماً كما قد يفعل يسوع المسيح. ليت كل شخص من المشاركين يعود إلى منزله حاملاً معه مقصداً صالحاً - محدداً وشخصياً-، يساهم من خلاله بنشر قدرة حنان الله في كل ركنٍ من أركان العالم.

إذا ما قمنا بتحويل هذه الأيام إلى مدرسة للرحمة، فسيعود كل حاجّ إلى بلاده، حاملاً معه حقيبة مليئة بالرجاء، وقادراً على توزيع الكنز الذي لا ينضب، الذي ينتظر كل نفس تسمح للربّ بأن يغمرها.

+ خافيير اتشيفاريا

حبر الـ"أوبس داي"