عظة الكاردينال أماتو في تطويب ألفارو دل بورتيو

اعتبر الكاردينال أنجلو أماتو، رئيس مجمع دعاوى القديسين، في عظته التي ألقاها بمناسبة إعلان تطويب ألفارو دل بورتيو، أن الطوباوي الجديد عاش بشكل "مميز وفائق عن العادة فضيلة التواضع"، التي تمثل اتحاداً بالمسيح "الوديع والمتواضع القلب"، وأشار إلى أننا "نحتاج اليوم إلى بيئة القداسة، لكي تتناقض مع تلوث اللا قيم والفساد".

احتفل رئيس مجمع دعاوى القديسين، الكاردينال أنجلو أماتو، ممثلاً البابا فرنسيس، بالذبيحة الإلهية التي تم فيها إعلان تطويب المطران ألفارو دل بورتيو، أسقف الـ"أوبس داي" وأول خلف للقديس المؤسس خوسيماريا اسكريفا.

ننقل إليكم في ما يلي، النص الكامل للعظة التي ألقاها في هذه المناسبة، والتي ألقى فيها الضوء على فضائل الطوباوي الجديد "الراعي بحسب قلب المسيح".

إخوتي وأخواتي الأعزاء،

1. "راعياً بحسب قلب المسيح، خادماً غيوراً للكنيسة|. هذه هي الصورة التي يعطيها البابا فرنسيس للطوباوي ألفارو دل بورتيو، الراعي الصالح الذي، على مثال يسوع، يعرف ويحب خرافه، ويرد الخراف الضائعة إلى الحظيرة، يضمض جراح الخراف المريضة ويعطي حياته من أجلها.

منذ صباه، تلقى الطوباوي الجديد دعوة اتباع المسيح، لكي يصبح في ما بعد كاهناً مطيعاً للكنيسة، وليبشر في العالم أجمع غنى الرسالة الخلاصية: "نبشر بالمسيح، فنعظ كل إنسان ونعلم كل إنسان كل حكمة، لنجعل كل إنسان كاملاً في المسيح. ولأجل ذلك أتعب وأجاهد بفضل قدرته التي تعمل فيّ عملاً قوياً". (كو 1، 28-29).

هذا التبشير بالمسيح المخلص، قام به بوفاء كامل للصليب، وفي الوقت نفسه، بفرح إنجيلي مثالي في قلب الصعوبات. لذلك، تخصص الليتورجيا له كلمات الرسول هذه: "يسرني الآن ما أعاني لأجلكم فأتمم في جسدي ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة". (كو 1، 24)

الفرح والسكينة أمام الألم والعذاب، هو أحد خصائص القديسين. لذلك، فإن التطويبات، حتى تلك الصعبة كالإضطهادات، ليست سوى نشيد فرح.

2. كثيرة هي الفضائل التي عاشها الطوباوي ألفارو بشكل بطولي– كالإيمان، والرجاء والمحبة. عاش هذه العادات الفاضلة مستنداً إلى نور تطويبات الوداعة، الرحمة، طهارة القلب. شهادات الحياة تجمع على ذلك. بالإضافة إلى ذلك، كان يعيش بتناغم روحي ورسولي كامل مع القديس المؤسس، وتميز بكونه شخصاً ذات إنسانية كبيرة.

الذين عايشوه يؤكدون أنه، ومنذ أن كان طفلاً، تميز ألفارو بشخصيته الفرحة والمجتهدة، ولم يكن يسبب المشاكل أبداً، كان حنوناً، بسيطاً، فرحاً، مسؤولاً، لطيف...

ورث عن أمه، السيدة كليمانتينا، سكينته التي يقتضى بها، الحساسية، الإبتسامة، التفهم، التحدث بشكل لائق مع الآخرين والتريث قبل توجيه الحكم. كان حقاً رجلاً شهماً. لم يكم كثير الكلام. تنشئته كمهندس أعطته دقة فكرية وقدرة للإيجاز، فكان يذهب مباشرة إلى قلب المشكلة لحلّها. وكان يوحي بالإعجاب والإحترام.

3. حساسيته بالتعاطي، كانت مرتبطة بغنى روحي استثنائي، وقد تميز بنعمة وحدة حياته الداخلة ورغبته الرسولية التي لا تتعب. الكاتب سالفادور برنالز أكد أنه كان يحول الكلمات المتواضعة المتعلقة بعمله اليومي إلى بيوت من الشعر.

كان مثالاً حياً للوفاء إلى الإنجيل، إلى الكنيسة، وإلى البابا. ودائماً عندما كان يذهب إلى بازيليك القديس بطرس في روما، كان يصلي صلاة النؤمن أمام قبر الرسول ونشيد السلام للعذراء أمام صورة القديسة مريم، أم الكنيسة.

كان يهرب من تحويل الأمور إلى أمور شخصية لأنه كان ينقل حقيقة الإنجيل ووحدة التقليد الكنيسي لا آرائه الخاصة. وكانت التقوى الإفخارستية، وتعبده للعذراء وإجلاله للقديسين تغذي حياته الداخلية.

كان يحافظ على حضور الله في حياته من خلال صلوات لفظية، ومن بين ما كان يكرره غالباً: "يا قلب يسوع المقدس والرحوم، أعطنا السلام"، و "يا قلب مريم الطيب، حضر لنا الطريق"، بالإضافة إلى: "يا قديسة مريم، يا رجاءنا، يا أمة الرب، ويا كرسي الحكمة".

4. أحد أكثر الأمور الأساسية في حياته كانت دعوته إلى الأوبس داي. كان عمره 21 عاماً، وذلك عام 1935، بعد لقاء جمعه بالقديس خوسيماريا، الذي كان في ذلك الحين، كاهناً شاباً لا يتجاوز عمره الـ33 عاماً. ردّ بكرم على دعوة الله له للقداسة والتبشير.

كان لديه شعور عميق بالصلة البنوية، صلة المشاعر والفعل، بالأب الأقدس. كان يتقبل ما يقوله بإمتنان وينقله إلى أعضاء الأوبس داي. في آخر أيام حياته، كان يقبل مراراً خاتم الحبرية التي أهداه إياه البابا كعلامة على طاعته الكاملة لرغبات الحبر الأعظم. وبشكل خاص، كان يطيع طلبات البابا بإجراء الصلوات والصوم من أجل وحدة المسيحيين وأنجلة أوروبا.

كان يقوم بتقييم الناس والأحداث بحكمة واستقامة، وكان يتميز بالعدل وباحترام كرامة وحرية الآخرين، بقوته وقدرته على تحمل الصعوبات الجسدية والفكرية، بالإعتدال الذي كان يعيشه برصانة، وبروح التضحية الخارجية والداخلية. الطوباوي ألفارو كان ينقل رائحة المسيح العذبة، رائحة القداسة الحقيقية.

5. ولكن، هناك فضيلة عاشها المونسنيور ألفارو دل بورتيو بشكل مميز وفائق عن العادة، واعتبرها أداة أساسية للقداسة والتبشير: وهي فضيلة التواضع، التي هي تمثل واتحاد بالمسيح "الوديع والمتواضع القلب". كان يحب حياة يسوع المتخفية، ولم يكن يقلل من أهمية تقاليد التقوى الشعبية، كالصعود جثواً على الركبتين على الدرج المقدس في روما. بالنسبة لعضو بالحبرية، الذي اعتبر يوماً أن الأشخاص الذين يصعدون على أقدامهم على الدرج المقدس، هم ناضجين وأصحاب تنشئة جيدة، قال له ألفارو مع ابتسامة، أنه صعده هو جاثياً على ركبته، رغم وجود عدد كبير من الناس هناك وقلّة وسائل التهوئة. كان ذلك بمثابة درس كبير للبساطة والتقوى.

المونسنيور دل بورتيو كان في الواقع قد تلقى العدوى الجيدة من طريقة تصرف سيدنا يسوع المسيح الذي لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم. لذلك، كان غالباً ما يصلي ويتأمل بالنشيد الإفخاريستي "أعبدك بإجلال عميق".

بالشكل عينه، كان يتأمل بحياة مريم، الأمة المتواضعة للرب. في بعض الأحيان كان ينقل عبارة لسيرفانتس، من كتاب "نوفيلاز إخيمبلارس": "دون التواضع،لا يوجد أي فضيلة أخرى".

بشكل متكرر، كان يصلي أيضاً مكررا هذه العبارة التي غالباً ما رددها ويرددها أعضاء الأوبس داي:"الله لا يرد القلب المنسحق والمتواضع".

بالنسبة له، كما بالنسبة للقديس أغسطينس، التواضع هو منزل المحبة. كان يردد نصيحة من نصائح المؤسس، ناقلاً كلان القديس خوسي دي كالاسانس: "إذا أردت أن تكون قديساً، كن متواضعاً. إذا أردت أن تكون أكثر قداسة، كن أكثر تواضعاً. إذا أردت أن تكون قديسا كبيراً، كن كبير التواضع".

كذلك، لم ينسَ أن جحشاً ابن أتان كان عشر المسيح خلال دخوله إلى أورشليم. رفاقه في الدراسة، أشاروا إلى بساطته التي كانت تميزه إلى جانب ذكائه الفائق، وبراءته الهادئة، فلم يكن يعتبر نفسه أفضل من الآخرين. كان يعتبر أن أكبر عدو له هو الكبرياء. أحد الشهود أكد أنه كان "التواضع بحد ذاته".

لم يكن تواضعه قاسياً، جاذباً للأنظار، ومستاءً، بل كان تواضعاً حنوناً وفرحاً. فرحه كان ينبع من قناعته بأنه ليس بشيء على الصعيد الشخصي. في بداية العام 1994، آخر عام أمضاه على هذه الأرض، وفي اجتماع مع بناته، قال: "أقوله لكنّ كما أقوله لنفسي أيضاً. علينا أن نصارع كل حياتنا لنكون متواضعين. لدينا مدرسة رائعة من التواضع وهو ربنا يسوع، والقديسة العذراء مريم، ومار يوسف. سوف نتعلم منهم. سوف نصارع ضد الـ"أنا" التي تريد دائماً أن تهجم علينا كالأفعى، لتعضّنا. ولكننا أكيدين، إذا ما كنا قريبين من المسيح، لأنه هو ابن مريم، التي ستدوس رأس الأفعى".

بالنسبة إلى ألفارو، فإن التواضع هو "المفتاح للدخول إلى بيت القداسة"، بينما التكبر، فهو أكبر عائق أمام حب الله. وكان يقول: "التواضع ينزع عنا الوجه الكارتوني السخيف الذي يحمله بعض الأشخاص المغرورين، الممتلئين من ذواتهم".

التواضع هو معرفة أننا أشخاص محدودين، ولكن، لدينا كرامة أبناء الله. أجمل ما يُقال عن التواضع هو ما قالته إحدى نساء الأوبس داي بعد موت المؤسس: "الذي مات حقاً هو الأب ألفارو، لأن أبينا المؤسس ما زال حياً في الذي جاء بعده".

6. يمكن القول بالطوباوي الكلام الذي قاله الكاردينال راتزنغر عام 2002، بمناسبة إعلان قداسة مؤسس الأوبس داي. بالحديث عن الفضائل البطولية، قال من كان في ذلك الوقت رئيس مجمع العقيدة والإيمان ما يلي: "الفضائل البطولية لا تعني أن شخصاً ما قد عاش أموراً كبيرة بحد ذاتها، ولكن أنه، في حياته، ظهرت حقائق وأمور لم يقم بها هو لذاته، بل لكونه شفافاً وحاضراً لأن يعمل الله به. هذه هي القداسة".

هذه هي الرسالة التي يعطينا إياها اليوم الطوباوي ألفارو، "الراعي بحسب قلب يسوع، والخادم الغيور للكنيسة". يدعونا لنصبح قديسين على مثاله، من خلال عيش قداسة طيبة، رحومة، حنونة، وديعة ومتواضعة.

الكنيسة والعالم يحتاجان إلى المظهر الكبير للقداسة، لكي يتطهرا، من خلال هذه الرائحة الطيبة، من الرذائل الكثيرة المحيطة والتي تمارس الإصرار المتعجرف.

الآن، أكثر من أي وقت آخر، نحتاج إلى بيئة القداسة، لكي تتناقض مع تلوث اللا قيم والفساد. يدعونا القديسون إلى إدراج الهواء النقي لنعمة الله في قلب الكنيسة والمجتمع، فهذا الهواء يجدد وجه الأرض.

فلتحمينا القديسة مريم، معونة النصارى وأم القديسين.

أيها الطوباوي ألفارو دل بورتيو، صلي لأجلنا. آمين.