رسالة من مطران "عمل الله" 04 2014

إقتداء بالبابا فرنسيس الاول يدعونا حبر عمل الله الى اللجوءالى سرّ التوبة و تعريف أصدقائنا اليه كي نتحضر لعيش زمن الفداء خلال أسبوع الآلام

أبنائي الاعزاء , فليرعاكم يسوع

فلتنمو فينا يوميا" الرغبة في الاستعداد لاسبوع الآلام لنحيا من جديد الاحداث المركزية في سر الفداء ولنضاعف جهودنا من أجل الارتداد الشخصي في زمن الصوم المجيد.

في رسالة الصوم دعانا الاب الاقدس لنأخذ بعين الاعتبار أنّ " يسوع حينما نزل ليتعمد على أيدي يوحنا

المعمدان في نهر الاردن ,لم يفعل ذلك بدافع التوبة أو الحاجة الى الارتداد ,إنما ليكون الى جانب البشر من هم بحاجة الى الصفح , الى جانبنا نحن الخطأة ,ليحمل معنا أعباء خطايانا ,هذه هي الطريق التي إختارها ليواسينا ,ويخلصنا,ويحررنا من بؤسنا ."

لقد إنحدر الرّب الى الارض ليداوي فقرنا المتعدّد الاشكال , بالطبع الفقر المادي الذي يطال الكثير من الناس, غير أنّ قداسة البابا تناول الفقر ,الناتج من الابتعاد عن الله ,وهو الفقر الاخلاقي والبؤس الروحي , الاول يتمظهر في الادمان على الكحول والمخدرات, والقمار والاباحية ,وما في ذلك من تبعية عمياء وعبودية حقيقية تطال الكثيرين وخاصة الشباب وتولّد القلق والحزن في نفوس ضحاياها كما عائلاتهم الذين يعجزون غالبا" عن المساعدة كما يجب , فضلا" عن التداعيات الإقتصادية المدمرة .

و كلّ هذا نتيجة البؤس الروحي الذي يطالنا عندما نبتعد عن الله رافضين محبته , ويده الممدودة نحونا بواسطة المسيح , معتبرين أنّنا لسنا بحاجة إليه , لأننا ممتلئون من ذواتنا , لذا الفشل طريقنا لا محالة . لأنّ الله وحده المحرر والمخلص الحقيقي ."(2)

وبهذا يتوجب علينا من خلال مشورتنا كما سلوكنا أن نضيء للآخرين الطريق التي تقود الى الفرح والسلام طريق سرّ التوبة , أداة الخلاص التي أرساها يسوع المسيح , واللجوء الى أفضل الوسائل لنعرّفهم كيفية الافادة من الرحمة الالهية .

ها هو " الترياق الحقّ المضاد للبؤس الروحي : المسيحي مدعو ليحمل البشارة المحررة أينما وُجد , وهي الصفح عن الشرّ الكامن حوله , فالله يتعالى أبدا" عن خطايانا وحبّه غير مشروط , لأنّنا صُنعنا للشراكة والحياة الابدية .و الربّ يدعونا لأن نعلن بفرح رسالة الرحمة والامل!من الرائع أن نشترك في فرح إعلان البشرى السارة ,

الكنز الذي أوكل إلينا لنقدّم للقلوب المنكسرة عزاء ,و الامل في بداية جديدة لإخوتنا وأخواتنا القابعون في الظلمات . على غرار يسوع حين ذهب الى الفقراء والخطأة كالراعي الذي مضى مدفوعا" بالمحبة يبحث عن الخروف الضال . إنّ إتحادنا بالمسيح يفتح أمامنا آفاقا" غير محدودة لنشر كلمة الانجيل وتعزيز الانسانية."(3)

لقد حثّ القديس بولس المسيحيين التمثل بيسوع المسيح (4) . والقديس خوسيماريا عبر بدقة قائلا": " في سرّ التوبة نتماهى جميعا" مع يسوع المسيح وفضائله".(5) وبوحي من تعليمه , عاش دون ألفارو في حال استعداد دائم لتلقي هذا السرّ , وتبشير النفوس بعظمته.

لأنّ كانت لديه القناعة بأنّ الرّب يدعو الجميع الى القداسة , وسيسمعون النداء لو ثابروا على البقاء في دائرة صوت الله يرهفون السمع لتلقي النعمة والهداية . " في هذه الاسباب تكمن رسولية الاعتراف وأهميته, فمن خلاله ننسج صداقة مع الرب تتوكأ على نعمة تقديس النفوس الساعية الى إدراك الدعوة التي يوجهها يسوع لكل منا :" من أراد أن يتبعني...."(متى 16/24)(6).

إذا فيما نحن نقترب من أسبوع الآلام , دعونا لا نوفر جهدا" لنستفيد من طريق القداسة هذه . وتعريف المحيطين بنا للتمرّس بها ناقلين خبرتنا وجهودنا في هذا الاطار. إنّ تقديس البابا يوحنا بولس الثاني قريبا يعيد الى ذهني تعليق البابا القديس لمرات عديدة, أنّ مؤمني "عمل الله" تلقوا نعمة خاصة من الله الا وهي نعمة الاعتراف , التي تسمح للكثير من النفوس التقدّم الى مذبح الرحمة والغفران , مكتشفين بواسطتها الفرح المسيحي . لذا لا نصرفنّ النظر أبدا" عن اللجوء الى صفح الرّب والتمسّك بصداقتنا معه .

كلما إقتربت الايام الفصحية كان دون الفارو يزداد تأثرا", لقد قال لنا مرة :" لنعيش داخل مشهد المعاناة ونرافق خطوات الرب على درب الآلام ,نعيد إحياءها بالقلب والعقل , فنحن بشكل أو بآخر حاضرون على طريق الجلجلة, لأن الرب تألم ومات من أجل خطايا كلّ منا . فلنطلب من الثالوث الاقدس النعمة لنغوص الى أعماق ألآلام التي تسببنا بها ليسوع , لكي نتمكن تلقائيا" من عيش فعل الندامة , الفعل الذي تجذر في قرارة نفس مؤسسنا وإرتفع به الى مصاف المحبة البطولية."(7)

ولطالما فاضت نفس دون ألفارو يوم خميس الاسرار أملا" وفرحا" أرضيا" وفائق الطبيعة , متأملا كيف أعطى المسيح ذاته للكنيسة وللنفوس أجمعين , في سرّ الافخارستيا وسرّ الكهنوت .

وقد كان يسجد أمام المذبح يتأمل ويتعلم من تضحية يسوع العظيمة . فأحبّ المذابح الإحتفالية , لرغبته أن يكون متأهبا" لاستقبال الله في أعماق روحه بوقار وإحترام .

و في غالبية الاحيان كان يبدو عليه التأثر خلال قراءات أسبوع الآلام ,خاصة كما رواها إنجيل يوحنا .

فأوصى السجود للصليب المقدس , وتلاوة مراثي نهار الجمعة العظيمة , وتهاليل القيامة بإندفاع شديد .

وبواسطة تقبيل الصليب الموجود دائما في جيبه أو على مكتبه يلتقي يسوع بشغف المحبين , و يعيش حالة الرجاء وعرفان الجميل .

متبعا" نصيحة القديس خوسيماريا :

"صليبك , كونك مسيحي عليك حمله دائما" ,ضعه في مكان عملك ,وقبله قبل النوم وعند اليقظة , وفي لحظات الضعف ."(8) بناء على التجربة لهذا النهج قيمة تواصلية , يأخذ به الآخرون لتتشكل في سلوكهم ممارسات إيمانية مسيحية صلبة وعفوية في الوقت عينه.

إنّ لاعلان تطويب دون ألفارو وقع خاص في نفوسنا , فسيرته تزيدنا تقوى , وتسعفنا لنعيش أسبوع الآلام بمحبة وإمتنان عميقين . متخذين التأمل العميق والمتأني ليسوع في بستان الزيتون , نصلي , نسهر معه , جاهزين في الجسم والروح ,لنُمنح القوة لمواجهة العذابات التي سيكابدها . إنّه يدعونا ويحتاجنا في هذه الاوقات ,خاطب الرسل :"سمعان هل تنام ,ألا تقوى على السهر ساعة معي؟ "(متى 14/37),إنّها رسالة موجهة لي ولك كما بطرس نحن قطعنا عهدا أن نبقى معه حتى الموت وحين دنت الساعة كنا نياما" وكان وحيدا". " واقعية التخلي والهروب من الرّب تحدث في حياتنا , حين نهمل واجبتنا المهنية , والرسولية ,

وفي التقوى السطحية, كما في أعذارنا البشرية كالتعب أو الكآبة, وحين لا نلتزم إرادة الله رغم مقاومة الجسم والقلب"(9) لقد تدرّب دون ألفارو في مدرسة القديس خوسيماريا على التفكّر في آلام المسيح .

وبوحي منه حثنا أن ندخل في المشهد الانجيلي نشكل شخصية إضافية نراقب , نتأمل ونحوّل الاحداث الى صلاة ,عندئذ تنبثق فينا الرغبة الجامحة للتعويض عن خطايانا كما عن خطايا البشر أجمعين .يقول في إحدى رسائله:"ألتأمل في آلام المسيح يولد في قلوبنا تلقائيا" الرغبة في التعويض ومواساة الرب وتلطيف عذاباته ,

التي يكابدها بإختياره من أجل خطايا جميع البشر ,الذين يظهرون في زمننا هذا إصرارا" محزنا" في معاندة خالقهم."

أطلبوا الصفح من الله , الذي نكنّ له الحبّ ,ونشعر بالرغبة العارمة في رضاه ,ألستم تدركون أنّ أصغر الاخطاء تؤلم المسيح؟ لذلك أصرّ عليكم لتولية أصغر الامور إهتماما", والانتباه الى التفاصيل إن كنتم تخشون الوقوع في الجفاف الروحي.

الله أعطانا الكثير من محبته وبالمحبة نبادله ! إنّي أتامل يسوع المسمّر على الصليب المقدس ضارعا" اليه أن ينعم علينا لنتقدم الى سرّ الاعتراف بقلب منسحق .فهو على حدّ قول القديس خوسيماريا ,ما زال معلقا" منذ عشرين قرنٍ على الصليب ,آن الاوان لملاقاته. إنّي ألتمس منه أن ينمّي في أعماقنا الحماس لنشجع النفوس على الاعتراف.(10)

في بداية زمن القيامة ,سنحتفل بذكرى المناولة الاولى للقديس خوسيماريا في 23 نيسان 1912 . ومنذ ذلك الحين كم من المرات إنحدر يسوع في القربان المقدس الى أعماق هذا الخادم الامين , معطيا" إياه النعم الغزيرة ليتمّم رسالته في الكنيسة وفي السابع والعشرين من الشهر الجاري سيتم تقديس البابا يوحنا الثالث والعشرين ,ويوحنا بولس الثاني , عيوننا ستكون مرتفعة نحو السماء تشكر الرّب على الشفيعين الجديدين اللذان في حياتهما الارضية عرفا وأحبا حبرية عمل الله .

أحبائي الحاضرون دوما مع الكنيسة والبشرية جمعاء إستمروا في الصلاة عن نيّتي ,بالاخصّ خلال الذبيحة المقدسة .ولا تهملوا الصلاة عن نيّة البعيدين عن الكنيسة أو المناهضين لها , أحبّوهم لانّهم بحاجة لذلك.

فليبارككم الرب

مع محبتي أبيكم

+كزافييه

روما في 1 نيسان 2014

  • (1)البابا فرنسيس الاول رسالة الصوم 26/12/2013
  • (2)المرجع نفسه
  • (3)المرجع نفسه
  • (4)راجع أعمال الرسل /رومية/14/13

(5)القديس خوسيه ماريا "طريق" رقم 310

(6)دون الفارو 1/12/1993

(7)دون الفارو 1/4/1987

(8)القديس خوسيه ماريا "طريق" رقم 302

(9)دون الفارو 1/4/1987

(10)دون الفارو 1/4/1987