ملفٌّ صوتي للأب الحبري: "تصحيح مَن يُخطئ"

يتأمّل المونسنيور خافيير إتشيفاريّا في الملفّ الصوتي لشهر تمّوز بعمل الرحمة الذي يقضي بـ"تصحيح مَن يُخطئ"، ويتطرّق إلى الاصلاح الأخوي الذي هو "واجب على كلّ مسيحي. فعندما ينبّهنا أحد إلى أمر ما لصالحنا، علينا أن نرى الرحمة الإلهية وراء هذا التنبيه؛ فهذه الرحمة تعتمد على وسائط بشرية من أجل إرشادنا على الدرب الصالح".

ملفّات صوتية أخرى للأب الحبري بمناسبة يوبيل الرحمة:

1) المقدمة: أعمال الرحمة (١/١٢/٢٠١٥)

2) زيارة المرضى والإعتناء بهم (١/١/٢٠١٦)

3) إطعام الجائعين وسدّ عطش الظمآنين (١/٢/٢٠١٦)

4) إكساء العريان وزيارة السجناء (1/3/2016)

5) إيواء الغرباء (15/4/2016)

6) دفن الموتى (15/5/2016)

7) تعليم من لا يعرف وتقدمة النصيحة للمحتاج إليها (11/06/2016)

*****

يظهر لنا التاريخ الخلاصي محبّة الله الرحوم التي لا تفتُر بالرغم من الضعف البشري. فالله قاد البشرية طوال أجيال كما تقود الأمّ ولدها الصغير وتسير خلفه، لتُبعد عنه المخاطر والأضرار. ولا شكّ أنّ كلّ واحدٍ منّا استطاع أن يختبر هذا الإرشاد في حياته، ويختبر يد العناية الإلهية القريبة منه. فكم من السقطات والأخطاء قد تحوّلت في بعض الظروف إلى لقاءٍ مع الربّ!

يدلّ "تصحيح مَن يُخطئ" على عمل رحمة مارسه الربّ، بحسب ما نقرأ في الكتاب المقدس، كلّما أصرّ البشر على السير في الطريق المُضلّ، وهذا أمرٌ ينطبق علينا أيضًا. ويظهر هذا الاهتمام الإلهي جليًّا في تاريخ شعب الله المختار. فإنّ الربّ، لو أراد، لتخلّى في ظروفٍ عدّةٍ، عن هذا الشعب، ولكنّه ما لبث يجذبه نحوه ويعيده إلى درب الخلاص، تارّةً من خلال العقوبات وطورًا من خلال تحذيرات الأنبياء.

وقد اتّخذت الرحمة الإلهية وجهًا بشريًا في سرّ تجسد الكلمة الإلهية. فالله جعل نفسه أخًا لنا لكي يبحث عنّا واحدًا واحدًا: في ظروف حياتنا في خصائصنا وفي المواهب التي نتمتّع بها، كثيرة كانت أم قليلة. ونرى في الإنجيل كيف لا يمتنع يسوع عن توبيخ مَن يريدهم أن يسيروا على الدرب المستقيم وعن تصحيح أخطائهم. وهو لا يصحّح للفريسيين الذين يرفضون رسالته وحسب، إنّما أيضًا لأصدقائه: فنراه يصحّح لبطرس بحزمٍ عندما سعى الرسول إلى إبعاده عن الآلام؛ أو بلطافةٍ عندما أظهرت مرتا اهتمامًا زائدًا بمهمّات الضيافة المنزليّة في بيت عنيا. وقد عرف الربّ بأيّ نبرة وبأيّ لغة يتكلّم مع كلّ شخصٍ.

فلْنتذكّر كيف ساعد الإصلاح الأخوي، متى كان صحيحًا وغير مُذلٍّ، الكنيسة منذ البدايات. يذكّرنا القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية بما يلي: "أيّها الإخوة، إن وقع أحدٌ في فخّ الخطيئة، فأصلحوه أنتم الروحيين بروح الوداعة. وحذار أنت من نفسك لئلا تُجرَّب أنت أيضًا". ولا يشير الرسول إلى أيّ شيءٍ آخر سوى وصيّة يسوع التالية: "إذا خطئ أخوك، فاذهب إليه وانفرد به ووبّخه. فإذا سمع لك، قد ربحت أخاك".

وبالتالي، فإنّ الإصلاح الأخوي هو واجب على كلّ مسيحي. فعندما ينبّهنا أحد إلى أمر ما لصالحنا، علينا أن نرى الرحمة الإلهية وراء هذا التنبيه؛ فهذه الرحمة تعتمد على وسائط بشرية من أجل إرشادنا على الدرب الصالح. قد يبدو الأمر لنا في البداية مُرًّا أو مزعجًا بعض الشيء، وقد يدفعنا كبرياؤنا إلى الثورة أو إلى البحث عن حجج غالبًا ما يسهُل إيجادها. ولكن، إذا ما تأمّلنا فعليًّا في هذا التنبيه في حاضرة الله، سيصدر عنّا فعل شكر صادق لأنّ أحدهم قد أزعج نفسه لتنبيهنا عن خطأ لم نلحظه.

لا نقلِّلنّ إذًا من تقدير قوّة الرحمة، إذ أنّ الإصلاح الأخوي الذي يُقبل بتواضعٍ، يجعل أيّ علاقة أكثر صلابة، وأيّ صداقة أكثر قوّة، ويساعد على تجنّب تعقيداتٍ مستقبليةٍ أو يساهم في بدء مرحلة جديدة من الحياة.

منذ بضع سنوات، تطرّق البابا بندكتس السادس عشر الذي يجب أن نكون شاكرين جدًّا له، إلى المحبّة قائلًا: "إنّنا اليوم، وبشكل عام، كثيرو الحساسيّة لما يتعلّق بالمحبّة وبالاعتناء بالحاجات الجسدية والمادية للآخرين. ولكنّنا غالبًا ما نتراجع أمام المسؤولية الروحية تجاه إخوتنا". وأضاف: "لا يجوز أن نصمت في وجه السيئات. وإنّي أفكّر، في هذا السياق، بطريقة تصرّف المسيحيين الذين، بسبب خجلهم من الناس أو لأسباب راحتهم، يناسبون أفكارهم مع ما هو سارٍ في العموم، بدلًا من تحذير إخوانهم من طرق تفكير وتصرّف تتعارض مع الحقيقة ولا تتّبع الطريق الصالح".

لذلك أقول لكم جميعًا، وأقول ذلك لنفسي أيضًا، إنّه عندما نساعد أحدًا عن طريق الإصلاح الأخوي، يجب أن تقودنا المحبّة والحيطة في ذلك، وأن نفتّش عن الوقت المناسب والطريقة المناسبة للتحدّث معه؛ فلا يجب أن نحرج أختنا أو أخانا. وشجّع القديس بولس أهل غلاطية إلى التصحيح "بلطافة". لذلك، ومن أجل القيام بالإصلاح الأخوي بشكل جيّد، علينا أن نفكّر بالطريقة المناسبة للمساعدة، في حضرة الله، طالبين من الروح القدس، بنيّة صافية، أن يضع في فمنا الكلمات المناسبة.

قد تخطر على أذهاننا فكرة أنّ هذا التنبيه لن يلقى صداه أو أنّ هذا الشخص لن يسعى إلى تغيير أي شيء أو أنّ مشاكله لا تعنينا... ولكنّ الأمر ليس على هذا النحو. فنحن الذين ننتمي إلى الكنيسة نشكّل سويًا جسدًا متّحدًا، وعلى أخطاء الآخرين أن توقظ فينا مشاعر الرحمة وضرورة المساعدة المُحِبّة، من دون أن تثير فينا صدمة سلبية أو حكمًا ناقداً.

ومن الضروري أيضًا عند التصحيح، أن نفسح المجال للوقت: فإنّ عمل النعمة يجري بفعالية، إلا أنّنا جميعنا نحتاج إلى الوقت من أجل تحقيق التغيير المنشود. فلْنتذكّرْ كيف أنّ بطرس الرسول لم يقبل بأن يذهب المسيح إلى الموت، حتّى عندما أعلن المعلّم ذلك بنفسه، وقد عبّر عن عدم قبوله باندفاع. فكان عليه أن يرى يسوع مقيّدًا لكي يفهم في نفسه أنّ هذه التضحية هي إرادة الله.

قد يحدث ذلك معنا نحن أيضًا: بعد أن نصحّح خطأ أحدهم، لا يسعى هذا الأخير إلى تغيير شيء بل يبقى في خطئه. في هذه الحالة، علينا أن نصلّي من أجله، لأنّ الصلاة هي الطريقة الأولى للمساعدة. فبعد أن نزرع حبّة الرحمة في نفس المُخطِئ، علينا أن نسقيها بالصلاة بالصبر وبالحنان الإنساني، فتنمو وتعطي ثمارًا.

لنتأمّل، بالإضافة إلى ذلك، بواجب القيام بالإصلاح الأخوي وبضرورة تفادي "القيل والقال" والتعليقات الساخرة التي تسبّب أضرارًا كثيرة في العلاقات العائلية والإجتماعية. وقد يكون ذلك قرارًا جيّدًا من قرارات السنة اليوبيلية للرحمة: تجنّب انتقاد أقربائنا وأصدقائنا ورؤسائنا وكلّ الذين يعتمدون علينا ومعارفنا والذين لا نعرفهم، مهما كان الانتقاد بسيطًا. يبدو الأمر صعبًا، إذ أنّ طوال النهار، قد تبرز احتكاكات عدّة وظروف سوء تفاهم؛ ولكن، إذا ما سعينا إلى تحقيق ذلك بقوة الله وبمساعدته، سنصبح زارعي الصفاء الذي يقدّمه مَن يتجنّبون المواجهات ومَن يقترحون حلولًا إيجابية.

فلْنساعد بعضنا بعضًا مطبّبين جراحاتنا ببلسم الرحمة. فلا يستطيع أحد أن يصل إلى السعادة إذا بحث عنها بمفرده. لا نبقينّ غريبين عن صراعات الآخرين ولنطلبْ من الربّ بساطة القلب لكي نقبل التصحيحات بتواضعٍ وامتنانٍ متى قُدّمت لنا، ولكي نساعد مَن علينا أن نساعدهم، مصحّحين أخطاءهم بحنانٍ وتفهّمٍ.